عندما كان يقول البعض إن وادي النيل قد خسر بالفصل بين السودان ومصر، كنا في جنوبالوادي لانقبل ذلك، إذ أننا نري فيما تم استقلالاً كاملاً لوطننا بعد أن كان تحت وصاية الحكم الاستعماري. وكنت أقول إن وحدة وادي النيل قد ظلمت بوضعها في مقابل الاستقلال، إذ لا يمكن لأي وطني أن يقبل عن الاستقلال بديلاً. وفي تقديري أن الخطأ قد كان وقتها في طريقة طرح القضية. فلو أن الوحدة قدمت في إطار تحرر البلدين الشقيقين، السودان ومصر، اللذين كانا يقعان معاً تحت طائلة الاستعمار لتبدلت مفاهيم التعامل مع قضية الوحدة، ولربما استمر شقا الوادي دولة واحدة بعد استقلالهما بصيغة ما. ولانود أن يتكرر ذات ما وقع قديما إزاء تلك الدعوات للوحدة، وإن لم تأخذ بعد شكلاً جاداً. ولقد قرأت مقالاً لأحد الكتاب السودانيين يدعو فيه الحكومة السودانية لإعلان الوحدة مع مصر إذا انفصل الجنوب عن الشمال بعد الاستفتاء المقررإجراؤه في التاسع من يناير العام القادم 2011م وفاء لاتفاقية السلام التي تم توقيعها بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بالعاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير 2005م. وهذه الدعوة أراها قاصرة، ومع ذلك اتخذتها مدخلاً لحوار جاد يمكن أن يقودنا لما فيه خير بلاد الوادي الذي نرجو أن يدوم سعيداً. إن منطقة وادي النيل كلها التي تضم السودان الوطن الواحد من نمولي إلي حلفا، ومصر من أسوان إلي الاسكندرية تواجه تحديات جسام يمكن أن تحدث هزات عنيفة في المنطقة لو لم نتعاط معها بمسئولية وإيجابية. وليس أدني من ذلك المؤامرة الدولية التي تنفذها أياد إقليمية لضرب مصالح الوادي بما يقال وينادي به لإعادة إتفاقية مياه النيل. ولقد جاءت طامة الفتنة الكبري بمحاولة تقسيم دول حوض النيل إلي دول منبع ودول مصب، وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا إن مصر والسودان مستفيدتان من مياه النيل التي تصب في غيرهما. ولابد من الإشارة هنا إلي أن المياه التي تجري في النيل لا تتجاوز 4٪ فقط من المياه التي تهطل في المنطقة العليا، وفي مقدور دول الحوض الدنيا الممثلة في مصر والسودان زيادة هذه النسبة إلي أضعافها. وهذا ما طرحته مصر والسودان ولم يقبل به الآخرون. الفتنة الأخري التي تواجه المنطقة هي احتمال انقسام السودان إلي دولتين بعد الاستفتاء. وهذا احتمال قائم وتظل حظوظه أكبر من الوحدة رغم أن دواعي ومطالب الوحدة أكبر من الانفصال. ولو أن السودان قد انقسم في ظل هذا التوتر الذي تشهده المنطقة فإن الخلاف حول مياه النيل يمكن أن يقود إلي كارثة. ولذلك فإن موضوع الوحدة لابد أن يطرح بطريقة جادة. وما أراه مناسباً هو البحث عن صيغة وحدة كونفيدرالية بين السودان بشقيه الشمالي والجنوبي وبين مصر البلد المتماسك والمتكامل مع السودان. وفي ظني أن هذه الوحدة يمكن أن تكون بديلاً لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان. فلوأن الخبراء والقانونيين والدستوريين قد أفلحوا في إيجاد صيغة وحدة كونفيدرالية تجمع بين مصر وشمال السودان وجنوبه بحيث تحفظ قدراً من الاستقلال والتمايز لكل طرف، ويحفظ لمصر أنها دولة ذات سيادة ولا تتعدي بسلطانها علي سيادة مشاركيها الوحدة. وفي ذات الوقت استطاعت هذه الوحدة الكونفيدرالية أن تبني أجهزة ربط وتنسيق وتكامل وتعاضد بين مكونات هذه الوحدة، فإن كثيراً من مشكلات وتحديات وادي النيل يمكن أن يتم تلافيها، وتقوم دولة عظمي في المنطقة يمكن أن نسميها جمهورية وادي النيل المتحدة. ولولا أن طموحات العقيد القذافي أكبر من أن تحدها هذه الجمهورية التي قد يراها أدني من أحلامه، رغم أنها نجدها أعظم من كل الأحلام، لقلنا أن تنضم ليبيا لهذه الجمهورية العظمي.