هل كانت هذه الثورة العظيمة التي جرت في 25 يناير يمكن أن تحدث من السلفيين أو من الاخوان المسلمين؟ لقد كانوا طوال أربعين عاما القوة الأكبر التي قامت بدورها الذي رسمه لها الرئيس السادات،وهو القضاء علي الحركات اليسارية في المجتمع المصري التي كانت هي المعارض الأكبر لسياساته وأولها ما تعلق بتأخير الحرب واستعادة سيناء حين اندلعت المظاهرات يقودها اليسار الذي كانت أحزابه كلها سرية في ذلك الوقت يشاركه فيها الناصريون وشهدت الجامعات كلها والمصانع حركات احتجاج ضخمة عام 1972م وامتلأ ميدان التحرير.. في المقابل تم الإفراج عن القيادات الإخوانية وعودتها من الخارج وفتح المجال لهم واسعا وبدأ ظهورهم في الجامعات بالسلاسل والجنازير تدربهم علي ذلك مكاتب الشئون الاجتماعية وراحوا يطاردون الشباب اليساري والناصري قامت الحرب وانفتح الباب واسعا للهجرة الي الخليج بعد أن ارتفعت أسعار البترول الي السماء وازداد الفقر في مصر والسرقة والنهب باسم الانفتاح الاقتصادي فهاجر المصريون بالملايين إلي الخليج ليعود الكثيرون بالافكار الوهابية جوار المال وتوثقت العلاقات بين المثقفين الإسلاميين وهذه الدول وازداد ذلك بعد مظاهرات يناير 1977 التي كانت آخر مظاهر الاحتجاج اليساري وبعده زادت مساحة هذه التيارات الوهابية الفكرية الإسلامية اللافتة ثم وقعت الوقيعة بينهم وبين السادات بعد ان انشق فريق منهم وكون تنظيمات مسلحة لتغيير الواقع بيده ووجدوا في معاهدة كامب ديفيد والصلح مع اسرائيل الفرصة لقتل السادات عام 1981 وبعدها بدأ النظام رحلة صعبة مع الإرهاب وازدادت قبضة النظام الحديدية لكن الإخوان المسلمين وجدوا لهم مكانا واسعا بين الناس يعرفه النظام الحاكم جيدا ولا يتدخل فيه إلا اذا اشتم رائحة اتجاه أنظارهم الي السلطة فبسرعة يلفق لزعمائهم القضايا ويسجنهم لم يكن السلفيون حتي الآن أهل سياسة كانوا علي حالهم أهل دعوي كان النظام قد وصل إلي معادلة جهنمية هي ترك أصحاب هذه الاتجاهات يتحركون بحرية في المجتمعات وخاصة الفقيرة التي وجدوا فيها ما يساعدهم علي ذلك حيث لم يعد أمام الفقير الا التوجه للآخرة والزهد في الدنيا وانتشرت في هذه الأوساط كل الثقافات الوهابية بدءا من الملبس حتي كره الأقباط وعرفت الجوامع الكبيرة والصغيرة هذه الدعوات،وهكذا وصلنا الي حالة من أغرب الحالات.. نظام يحكم ويسرق وينهب في الدنيا ويسجن ويسحل من يفكر في المعارضة او التطلع الي الحكم ودعوات وهابية تأخذ الناس الي الآخرة بعيدا عن السياسة لم يعد هناك يسار يعارض وأحزابه التي صارت علنية شابها الضعف وارتمت قياداتها في النهاية في احضان النظام او يئست ولم تدرك أن هناك أجيالا أخري قد تكون أنسب.. ذلك كان سر الثبات الذي بدا عليه الحال حتي وقع كثير جدا من المفكرين في الفخ إنه لم تعد هناك في مصر طبقة وسطي تقود الحياة، والحقيقة انه لم يعد في مصر إلا فريقان ظاهران فريق يعمل من أجل الآخرة وفق أجندة وهابية وفريق يحكم ويسرق ويقتل ويعتقل ويسجن. ما جري بعد ذلك معروف كانت هناك طبقة وسطي من الشباب المتعلم بعيدا عن اليسار الداجن واليمين الهارب الي الله دعت الي الثورة التي سرعان ما التحق بها الجميع، وكان السلفيون ألد أعدائها في البداية وظهرت لهم سياسة مطابقة لاجندة أمن الدولة الذي أعدهم ليقاوم بهم الإخوان المسلمين يوم ان تظهر لهم شوكة فهم اكثر تخلفا وسيعطونه دائما فرصة المزايدة علي العالم بانه لا ديموقراطية في مصر مادامت ستأتي بهؤلاء. لاحظ إنه فعل ذلك من قبل في انتخابات 2005 حين اتفق معه الإخوان علي انجاح 80 عضوا منهم أو أكثر ولم يفهموا أنه سيأخذ هذه النتيجة الي الخارج يخيف بها من يشجع الحركات المدنية علي الديموقراطية وبعد أن أقنع أمريكا التي كانت تتحدث وزيرة خارجيتها عن الفوضي الخلاقة ورئيسها بوش عن الديموقراطية والاتحاد الاوربي راح في الانتخابات التالية يمشي في الأرض مرحا وأسقط الجميع انتهي دوركم يا أغبياء أو يا حلفاء هكذا اخرج لسانه في الثورة كان الإخوان المسلمون هم المتأخرين عنها أتحدث هنا عن المواقف الرسمية المعلنة ودعك من الشباب القليلين الذين خرجوا علي الموقف الرسمي حتي يوم 29 يناير إذ انضم الاخوان وانعتقوا من سياستهم المتحفظة نجحت الثورة في خلع رأس النظام لكن سرعان ماتخلي عنها الإخوان في كل الجمع الهامة التي نادي بها شباب الثورة من أجل المحاكمات والتطهير والدستور وغير ذلك انتهي الأمر بهذه الانتخابات التي كان السبب الأول للنجاح الكبير للاخوان والسلفيين فيها هو تشرذم التيارات الليبرالية أو الجديدة او صانعي الثورة إلي كتل كثيرة تفرقت بينها الأصوات ومهما كانت النتيجة فما دمنا ارتضينا الديموقراطية فيجب أن نرتضي بنتائجها والمهم هو نهايتها بعد المرحلتين السابقتين والمهم أن تفهموا أن الديموقراطية لا تعني انفراد فريق بالسلطة والعمل من أجل مصالحه لن يسمح لكم شباب الثورة بديكتاتورية جديدة ويبقي السؤال لقد فتحت هذه الثورة وحدها وليس أحد آخر الطريق امامكم لتكونوا في العلن فكيف بالله تخرج منكم كل هذه الحرب علي صنّاع الثورة بأنهم كفرة.. من هم الكفرة الذين جحدوا نعمة الله وهي هذه الثورة التي كان الشباب الحر وقودها الأول أم من جلسوا في بيوتهم ينتظرون نجاح الشباب والقفز عليه وهل سيترككم الشباب تعلنون هذه الافكار الوهابية علي الملأ من تكفير للكتاب والفنانين وتحجيم وحجب للنساء والفصل بين الجنسين في كل مكان وفرض أزياء لم تعرفها مصر في أعظم عصورها منذ اسماعيل باشا حتي السبعينيات من القرن الماضي وغير ذلك مما يعلنه علينا اقطاب السلفية كل يوم من قضايا لا تهم أحدا أمام قضايا التعليم والصحة والعمل والاستقرار هل تظنون أنكم ستنجحون هل سيظل الناس علي فقرهم وأنتم في صدارة السلطة ويصدقونكم؟ ياسادة يا كرام السعودية مرجعكم افتتحت منذ عام جامعة مختلطة وأعلنت ذلك بكل فخر ونحن فعلنا ذلك منذ مائة سنة فما رأيكم فيما فعلته السعودية؟ ستنكشف لعبتكم السياسية في إرجاع مصر إلي قرون من التخلف.