حينما أصدر المجلس العسكري من خلال المشير طنطاوي قراراً بتكليف الدكتور كمال الجنزوري بتشكيل الوزارة ... لم يصاحب هذا الإعلان - كما توسلت كثيراً في هذه الصفحات - نشر بعض المعلومات في إحدي الصحف القومية التي بني عليها أصحاب القرار اختيارهم وذلك قبل أن تخرج الأصوات من ميدان التحرير رافضة لترشيح د. كمال الجنزوري باعتباره جزءا من النظام السابق. إنني أضع تحت تصرف القاريء بعض المعلومات عن الظروف والملابسات التي جعلت من الدكتور الجنزوري ضحية للنظام السابق وأن تتم إقالته بأسلوب غدر عن طريق استقالة مكتوبة مسبقاً. في بداية حكومة د. الجنزوري تم الاتفاق علي أسلوب جديد لسرعة الإجراءات واختصار الزمن بأن توجه قرارات مجلس الوزراء مباشرة إلي سكرتارية رئيس الجمهورية دون العرض علي ديوان رئاسة الجمهورية التي كان يديرها وقتها د. زكريا عزمي وكانت المسببات أن مجلس الوزراء فيه نفس تخصصات الإدارات القانونية والاقتصادية والإدارية المطلوبة لدراسة القرارات. من كان الخاسر في هذه المبادرة الحكيمة لتوفير الوقت في دولاب عمل الدولة ؟ الخاسر كان الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية وأقرب إنسان إلي أذن الرئيس السابق لأنه بمبادرة الجنزوري والوزير طلعت حماد لن يكون له السيطرة علي القرارات قبل عرضها علي الرئيس. وكما نقول بلغة شعبية د. زكريا عزمي وضع الجنزوري وطلعت حماد "في راسه" وبدأ يقوم بمناوراته عملاً علي إسقاطهما ... المعلومة الثانية: من كان الخصم الأكبر في الوزارة للدكتور الجنزوري؟ د. يوسف بطرس غالي ...الذي كان الجنزوري يعترض علي سياسته ومعه حليفه الدكتور عاطف عبيد علي أسلوب الخصخصة... واكتشف المشير طنطاوي الجنزوري في هذه المرحلة لأنه أيضاً كان معارضاً وله تحفظات علي سياسة الخصخصة مثل الوزيرة الدكتورة فايزة أبو النجا ... بعد معلومة أخيرة عن السيناريو الذي أدي إلي إقالة الدكتور الجنزوري: حضر رئيس وزراء إسرائيل باراك للقاء قمة مع الرئيس السابق واستقبله الدكتور الجنزوري وصاحبه حتي القصر الجمهوري وكما يقضي البروتوكول كان من المفترض أن يصاحب رئيس الوزراء الضيف حتي الصالون المجاور لمكتب الرئيس ثم يودعه لتركه وحده لإجتماع القمة. ولكن رجال د.ذكريا عزمي أرادوا استفزاز د. الجنزوري وقالوا عند الوصول عند باب الرئاسة: "شكراً.." أي أنه لاداعي للدخول مع الضيف حتي الصالون المجاور للرئيس قبل أن يودعه. ولأن الدكتور الجنزوري لديه كبرياء عبر عن عدم رضائه عن الأسلوب وبالتالي أعطي للدكتور زكريا الفرصة أن يبلغ الرئيس السابق أن الدكتور الجنزوري كان غاضباً وأن يسأل الرئيس السابق بالتالي عن سبب غضب رئيس الوزراء.. وهنا يأتي دور المناورة ليكون رد زكريا عزمي: "يحتمل أن د. الجنزوري كان يود المشاركة في إجتماع القمة ..." وطبعاً ثار الرئيس السابق علي ما أعتقد أنه طموح غير مبرر وغير مقبول من رئيس الوزراء أن يحضر إجتماع القمة... !! ولم يطل الوقت حتي جاءت لحظة تصفية الحسابات والاستجابة لمناورات القصر وعندما ذهب الرئيس السابق للاجتماع السنوي المشترك لمجلسي الشعب والشوري كان خطاب استقالة الجنزوري معدا مسبقاً في 5 أكتوبر سنة 99 وأصر طلعت علي سرد انجازات الوزارة فيه ، وحمله رئيس الأمن القومي إلي الدكتور كمال الجنزوري ولتطوي صفحة من تاريخ مصر تعني كثيراً في أسلوب تصفية حسابات ظالمة مع رجال أرادوا خدمة الوطن. بقي أن أضيف علي مسئوليتي إنني أعتقد أن اختيار المشير للدكتور الجنزوري كان تقديراً منه لقدرات المرشح الاقتصادية واهتمامه في الماضي بالمشروعات العملاقة التي نحن في أمس الحاجة إليها الآن مثل توشكي وترعة السلام التي بذل خصوم الجنزوري جهوداً جبارة للهجوم عليها ومحاولة هدمها. وفي المرحلة الحالية بعد كل المؤشرات الخطيرة عن حالة احتياطي البنك التي أعلن عنها د. العقدة رئيس البنك... من الطبيعي لو كان هناك نداء للعقل... لكان الشعار "رحمة بلقمة العيش وليعطي الجميع أولوية للإقتصاد ... ثم الإقتصاد... ثم الإقتصاد ... ليحل محل الشعارات التي هي نابعة من الأحاسيس والمشاعر وليس العقل" وسبق أن نصحت في مقال سابق ثوار 25 يناير بالاعتماد دائماً علي أساس المعلومات.