عندما كتب المسرحي السويسري ماكس فريش »1911-1991« مسرحيته »بيد رمان ومشعلو الحرائق« عام 1953 كان يستدعي إلي الذاكرة ذلك المواطن السلبي الذي يري الفاشية تشتعل من حوله، بينما يجلس هو لا يحرك ساكناً إلي أن يُشعل النيران في بيته باستضافته للفاشيين بسذاجة بالغة... كانت أوروبا لتوها خارجة من أتون الحرب العالمية الثانية وكانت ألمانيا الفاشية قد هزمت علي يد الحلفاء والروس وقسمت الي بلدين فيما عرفت بعد ذلك بألمانياالغربيةوألمانياالشرقية. هذا النص تحديدا قدم في عدة عروض مسرحية في مصر ودارت فكرة المخرجين الأساسية حول التنبيه والتحذير من استبداد طبقة بعينها للشعب، والمتاجرة بمعاناتهم لكي تزداد ثرواتهم ونفوذهم.. أي تفشي النهم والطمع والجشع وحب الاستئثار من طبقة الرأسمالية لتحول البشر من حولها إلي عبيد، كي يزداد الأغنياء غني ويأكل الحقد والتذمر نفوس الفقراء ويهلكهم، ويزيد من تعاستهم، ويعمق الجرح الغائر، والهوة بين أبناء المجتمع الواحد، ويفسد العلاقة الإنسانية ويطمس ملامحها تماما، حين تضيع العدالة الاجتماعية! كان هذا الطرح يتوائم مع مجريات الأمور في البلاد خلال السنوات الماضية حيث الفقراء يزدادون فقرا والاغنياء يزدادون ثراء فكان طرحهم مناسبا في سنوات حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. مشعلو الحرائق هم كل من خاف وتهاون أو أغلق عليه بابه هم كل من وقف علي الحياد، وقال أنا بعيد ولن تصل إلي بيتي الحرائق.. هم كل من أغلق عقله أو قلبه أو حتي سامح من يتربص به.. هم كل من سكت علي ما يحدث من حوله فهل ما يحدث في بلدنا الآن يشبه ذلك الذي فعله مشعلو الحرائق؟ أحداث النص تبدأ بانتشار الحرائق في بلدة ما عانت من الظلم وانفراد طبقة برغد العيش وأخري تفتش في صناديق القمامة ليدخل »مشعلو الحرائق« بيت رجل الصناعة الثري يطلبان المساعدة لأنهما فقراء ومحتاجون وجائعون، وقد كانا يعملان فيما سبق في مصانع الصلب وكل الأماكن التي عملوا فيها غادروها بعد أن احترقت، مما يزيد من فزع الرجل وزوجته ويخافان من إبلاغ الشرطة خوفا من الفضيحة، وأن يزج باسميهما في أي حادث يشير إليهما من قريب أو بعيد وتنتهي إقامتهما في البيت باحتراقه ثم باحتراق المدينة بكاملها! ما يحدث الان في مصر من انقسام واضح بين معسكري التحرير والعباسية وبين الأحزاب وبعضها البعض وسكوت مريب من الأغلبية الصامتة هو الباطل بعينه.. بلادنا تحترق ونحن جميعا نشعل الحرائق في الوطن الذي كان يفترض ان يستقر ويأمن بعد القضاء علي النظام الفاسد. جميعنا متهم بإشعال الحرائق في هذا البلد الذي لا يستحق منا كل هذا العبث والجنون.. متي نصحو علي صباح بدون شهداء ومصابين واعتصامات ومظاهرات.. متي نغلب مصالح الوطن العليا علي كل مصلحة شخصية.. متي نتخلص من مشعلي الحرائق؟! اللهم اجعل هذا البلد آمنا مستقرا وارزق أهله نعمة الاتحاد علي قلب رجل واحد.. آمين.