لماذا يصر كل من المجلس العسكري ومجلس الوزراء علي عدم إصدار أدني قانون للعزل السياسي لجميع الأعضاء السابقين في الحزب الوطني المنحل وحرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية لفترة زمنية مؤقتة؟ ولمصلحة من أن يظل هذا الشعب المصري البسيط متخبطاً بين أفعال وأعمال وأقوال من بعضهم، وبين ما تصدره المحاكم المصرية من أحكام اجتهادية - تُحمد عليها - في هذا الشأن، وقد تتضارب أحياناً تبعاً لاختلاف ظروف الوقائع بين الدعاوي أو التباين في اختلاف التشكيلات بين الدوائر خاصة مع عدم وجود نص قانوني ثابت يستوجب انطباقه عليها. فمازال مجلس الدولة المصري قادراً وحده علي غرس الصباح في قهر الليالي، في اللحظات التاريخية الحاسمة يتربع قضاؤه كادر الشاشة دوماً، في وقت عجز فيه المجلس العسكري وكذا مجلس الوزراء عن إصدار أدني مرسوم بقانون للعزل السياسي لأعضاء الحزب الوطني المنحل، والذي تم حله أيضاً بحكم قضائي بيد مجلس الدولة لا بيد القيادة السياسية التي تحملت أمانة مسئولية مصر المحروسة وشعبها! مثلما كان مجلس الدولة مفجراً للعديد من قواعد الحريات في السنوات الماضية، بطلاً للمرحلة السابقة والآنية والقادمة بإذن الرحمن. إن المبدأ الصالح في التعليق القانوني علي الأحكام القضائية يكون بعد صيرورتها نهائية ولا يكون حينئذ في وسائل الإعلام بل في الدوريات والمنتديات القانونية والبحثية المتخصصة، ومن ثم اتعجب من هذا الكم من القانونيين الذين علقوا علي الحكم المشار إليه داخلين في صلب حيثياته بشكل نسوا أو تناسوا معه أنه لم يستنفد طرق الطعن القانونية بعد! وأيا ما كان من جوهر حيثيات الحكم المشار إليه واسبابه ومدي اتفاقنا أو اختلافنا معها، فإننا أصبحنا أمام حكم قضائي واجب النفاذ، لا يجوز الطعن عليه إلا من قِبل ذوي الشأن، وإنني كمواطن مصري - بعيداً عن كوني قانونياً ووفقاً لحالة الثورة المصرية - سعدت كثيراً بفكرة هذا الحكم ووجدته مؤقتاً يسد فجوة عجزت القيادة السياسية عن ملئها، وهي استبعاد بعض أعضاء الحزب الوطني المنحل عن المشاركة السياسية بالترشح في الانتخابات البرلمانية الوشيكة. وحكم محكمة القضاء الإداري واجب النفاذ طالما لم يوقف تنفيذه من قِبل محكمة الطعن، وبالتالي علي اللجنة القضائية العليا للانتخابات تنفيذه فوراً. أما عن أن ما يُشاع عن انطباق الحكم علي جميع من كانوا أعضاء بهذا الحزب، فإنه وفقاً لمبدأ نسبية الأحكام القضائية لا يسري الحكم إلا في حق من شملهم دون البقية من أعضاء الحزب المنحل، فلا يجوز تعميمه علي جميع أعضاء الحزب الوطني المنحل أو حرمان كل من انتمي له من مباشرة حقوقه السياسية، إلا بأحكام قضائية مماثلة أو حال صدر قانون بالعزل السياسي. ولئن كان الطعن عليه حقاً قانونياً مشروعاً، إلا أن مجرد الطعن علي الحكم المشار إليه من قِبل أي من المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو اللجنة القضائية العليا للانتخابات أو وزير العدل يطرح تساؤلاً جديداً عن مدي إيمان الجهة الطاعنة في أيهم بالفكر الثوري الذي فجرته جموع يناير والمُفترض أن هذه الجهات قد تبنته! وما يُنادي به الجميع من استبعاد من دخلوا تحت مظلة هذا الحزب المُنحل! فبعد ستة أشهر من خلع الرئيس السابق وتولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة مقاليد الأمور، مازالت هناك أزمة ثقة بين أطياف من القوي السياسية بعضها البعض، وكذا بين فئات منها والبين الحكومة، فضلاً عن عن تشكيل حكومة تسيير الأعمال الجديد لم يرق إلي طموحات وأحلام عدد غير قليل من أفراد الشعب المصري، الأمر الذي جعلني شخصياً أتساءل عن الفروق التي حدثت في الجهاز الإداري للدولة بعد الثورة عما قبلها ، فلماذا تبقي القيادة السياسية علي بعض شراذم الحزب الوطني المُنحل في المنظومة التنفيذية للدولة بهيئاتها ومؤسساتها المختلفة، ولماذا تعمل علي تخوين بعض العناصر التي ساهمت في إحداث الثورة، ولماذا تمتنع عن اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بإثبات هذا التخوين وإبراز ما لديها من مستندات تفضي إليه إن كانت تملكها! وإلا فليعمل الجميع علي توحيد الصفوف لتنفيذ الهدف الحقيقي من الثورة. إن نزاهة الانتخابات البرلمانية القادمة مرهونة بعناصر عدة، أولها ضرورة اجتماع القوي السياسية بمختلف أيديولوجياتها علي الحد الأدني من المباديء القانونية المشتركة بينها حتي نوقف الاتهامات بين فصيل وآخر. وثانيها تمكين اللجنة القضائية العليا المشرفة علي الانتخابات من القيام بدورها القانوني، بدءاً من فحص وتنقية جداول الناخبين حتي تأمين عملية التصويت والفرز وإعلان النتائج، وفي ظني أن ضيق الوقت لن يكون في صالح اللجنة من الناحية التاريخية علي الأقل. كما يجب علي وزارة الداخلية أن تعيد تقييم رجالها في قطاعات كثيرة حتي تقوم بالدور الأمني الواجب عليها ، فليس معقولاً أن تنتشر جرائم البلطجة في بقاع البلاد بهذه الصورة إلا وأن يكون هناك تقصير أمني، وإذا ما اتجهت الحكومة إلي الاستعانة باللجان الشعبية علي ما يُشاع ، فعلي الأجهزة الأمنية المنوطة بذلك الانسحاب فوراً بالاستقالة غير المأسوف عليها.