يذوب يحيي مختار عشقا في القاهرة ويعلم أن قرية النوبية قد ضاعت إلي الأبد تحت مياه البحيرة التي تضمن أمان الحياة بالماء لكل مصر لكن في الوجدان أسي وحزن علي تراث وتاريخ يخشي ضياعه بالزمن فكرّس كل إنتاجه لتوثيق هذا التراث وشخوصه وأماكنه وأساطيره في رواياته وقصصه القصيرة وليس آخرها مرافئ الروح في طبعتها الثانية الشيخ حسن أبو جلابية ..قام فجأة كمن داهمه نداء لأن يعبر النهر إلي الغرب فهناك من ينتظره علي الأرجح من الصائمين للإفطار معه لم يصدق أذنيه وهو يسمع ضربات مجدافين تتابعت خلفه ليري قاربا جديدا يبرق لونه الأبيض والذي يبدو أنه جاء خصيصا له أرسله من جاء منهما النداء وارتاح إلي هذا التصور فالأذان أوشك أن يرفع ويهمه سرعة الوصول. فاعتلي القارب ولم يجد إلا مكانا ضيقا بالكاد يسعه المكان مبتل برذاذ ضربات المجداف خلع جلباباه وافترشه جالسا بقميصه وسرواله الطويل واضعا ركوته بين ساقيه ممسكا بها بكلتا يديه كالممسك بمقود ركوبه القارب يشق صفحة النهر نحو الغرب متحديا صخب الدميرة التي ارتفعت مياهها العكرة بالطمي . والربان لم يلق عليه بالتحية ولم يتسن له أن يشكره والتفت خلفه فلم يجد لا القارب ولا الملاح وكان الفتي سلامة عبد السيد جالسا علي ضفة النهر فوقع بصره علي جده يتوسط صفحة النهر مفترشا جلبابه متخذا إياه قاربا وبدا له جالسا علي ظهر تمساح غائصاً في الماء انعقد لسانه وجف حلقه فانهار وجسده يرتجف .