تعد الفتوي إحدي أهم آليات ومنتجات الخطاب الديني، لما تؤديه من دور مهم في صناعة وتحريك الكثير من الأحداث في كافة أرجاء العالم، وقد كان إطلاق المؤشر العالمي للفتوي (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية، إحدي المبادرات المهمة ليرصد ويحلل فتاوي أكثر من 50 دولة عربية وأجنبية، فضلاً عن رصد فتاوي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، مثل (الإخوان وداعش وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس والقاعدة وحزب التحرير وغيرها) وذلك بهدف الوقوف علي الداء العضال الذي أصاب الكثير من الفتاوي، ولا سيما فتاوي التنظيمات والجماعات المتطرفة التي يطوّعها قاداتهم لتنفيذ أجنداتهم وأهدافهم المسمومة..وانطلاقًا مما سبق كان لزامًا علينا أن نحاور طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمي للفتوي ورئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية بدار الإفتاء، لإلقاء الضوء علي عمل المؤشر وهل تحقق أهدافه بعد تدشينه بستة أشهر، والرد علي ما يدّعيه البعض من أن هدف المؤشر سياسي بامتياز وليس من أجل تقويم العملية الإفتائية.. وإلي نص الحوار: عملنا بحثي فكري.. ونحتاج لزيادة اللغات التي تترجم إليها إصداراتنا • تطويع الفتوي حسب الحاجة لا حسب الشرع من الأمور الملاحظة علي فتاوي التنظيمات المتطرفة.. كيف ترون ذلك؟ - لا شك أن التنظيمات الإرهابية تعمل علي تطويع الفتاوي لخدمة أغراضها وأيديولوجيتها، فهم يُحلّون الحرام ويحرّمون الحلال خدمة لأهدافهم وليس للدين، ويتغير الموقف من التحليل للتحريم والعكس حسب الغرض والحاجة؛ فمثلاً هم يطوّعون الفتاوي للسيطرة علي المرأة، فعندما يحتاجونها للقتال يحولونها إلي قنبلة متحركة تنفجر في وجه من يريدون ووقتها تكون مشاركة المرأة في القتال واجبة، وعندما يحتاجونها للفراش يحرّمون خروجها من المنزل. وكذلك الأمر بالنسبة للأطفال، فعندما يحتاجونهم لحمل السلاح يُصدِرون الفتاوي التي تدعو لكفالة أبناء المقاتلين، ثم بالتدريج يصدرون فتوي تبيح حملهم للسلاح، فالكفالة ليس مقصودًا بها غرضًا اجتماعيًّا أو إنسانيًّا بل كان هدفًا حربيًّا بامتياز لاستغلال الأطفال وهكذا.. كما رأينا أن التنظيمات التي كانت تُحّرم الآثار وتعتبرها أوثانًا باعتها عندما سيطرت علي الأرض بهدف الدعم المادي والتحريم والتحليل كان بفتوي، والسؤال هنا: كيف لشخص يحرّم شيئًا ثم يتاجر فيه؟ أليست هذه ازدواجية ممقوتة. وكذلك هم باعوا المخدرات وتاجروا في الأعضاء البشرية لتمويل تنظيماتهم والحصول علي الأموال، وقد لا حظنا في المؤشر العالمي للفتوي أن 80% من الفتاوي عبارة عن استغلال سياسي لها لأهداف لا علاقة لها بالدين أو الشرع، لكنها أهداف لها علاقة بالحشد والتمويل وإدارة المعارك وتجنيد المقاتلين وتوظيف ذلك كله سياسيًّا لخدمة أيديولوجية التنظيم. توظيف سياسي يري البعض أن بعض مخرجات ونتائج المؤشر العالمي للفتوي توظف أحيانًا في الاتجاه السياسي.. كيف تردون علي ذلك؟ - إن عمل المؤشر هو عمل بحثي فكري وتحليلي فقط، ولا شك أنه أداة شرعية تعمل علي تحليل الفتوي وربطها بالسياق المحيط بها ومدي تأثيرها وتأثرها بالبيئة المحيطة بها؛ وذلك بهدف الوصول إلي خطاب إفتائي رصين غير موجَّه بغرض ما، ولا يستند إلا إلي أدوات العلم الحديث والتحليل الدقيق، ومن ثم رصد السلبيات والخروج بتوصيات وحلول وتقديمها لكل الجهات المختصة، وفي مقدمتها الجهات الدينية التي لديها من الأدوات والإمكانيات ما تزيل به اللبس وتعالج الخطأ سواء بإصدار فتاوي سريعة للتوضيح أو الرد علي الادعاءات الخاطئة. وعملنا في المؤشر بدار الإفتاء لا يتوقف علي رصد الفتاوي فقط، وإنما متابعة النتاج الفكري للتنظيمات المتطرفة أيضًا فنحن نتابع 10 تنظيمات إرهابية ونعمل علي 50 دولة بالعالم، فالمؤشر لا يقتصر عمله علي مصر فقط؛ وإنما علي مستوي العالم. مادام هذه هي صيرورة العمل فلماذا يري البعض هذا البعد السياسي في العمل كهدفٍ أساس؟ - لا شك أن أي عمل من شأنه دعم الدولة والوطن حتي ولو كان فكريًّا، والطبيعي أن يري المغرضون أن أي عمل يخدم الوطن هو عمل موجه سياسيًّا وهذا دأبهم، هم لا يعملون للأوطان إنما يخدمون تنظيماتهم وجماعاتهم، وأي عمل وطني هو عمل موجه من وجهة نظرهم، وهذا كلام غير صحيح، فنحن مؤسسة لها دورها الدعوي والإرشادي في المجتمع، ومهمتنا بيان الخطأ وبيان هدي النبي (صلي الله عليه وسلم) وإبلاغ رسالته بأنها رحمة للعالمين، وذلك علي عكس ما يقوم به الإرهابيون من تدمير وقتل وسفك للدماء استنادًا لفتاوي محرّفة وموجهة، ونحن نهدف لدفع الضرر عن الناس لأنه جزء من رسالتنا الشرعية والوطنية علي حد سواء، نحن مؤسسة من مؤسسات الدولة هدفها الحفاظ علي الإنسان والبنيان. آليات ونتائج ما آليات العمل في المؤشر؟ وهل هناك نتائج مباشرة للجهد المبذول؟ - لدينا مجموعة كبيرة من الباحثين في مختلف التخصصات يعملون علي الرصد والتحليل لمنتج الفتوي علي مدار الساعة، وهو منتج تخطي العالمية وبات سلاحًا مؤثرًا في كثير من الأحيان، فنحن لا نعمل علي مستوي مصر فقط ولكن علي المستوي العالمي، وقد رصدنا مثلاً في عام 2018 حوالي 750 ألف فتوي، سواء كان تلك الفتاوي لمؤسسات رسمية أو غير رسمية، لأفراد أو تنظيمات، ومن مختلف المناطق والبيئات، ومن هذه الفتاوي نخرج بالنتائج علي كافة المستويات الشرعية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ومن ثم نقدّم التوصيات لعلاج السلبيات ودعم الإيجابيات في الفتوي كمنتج حيوي. أما عن الشق المتعلق بالنتائج فقد رصدنا صديً كبيرًا لإصدارات المؤشر لدي التنظيمات المتطرفة، فقد تابعنا مقالات وردودًا بعددٍ من اللغات للرد علينا، وهو أمر يسعدنا كثيرًا ويؤكد أهمية ما نفعله. نحن في النهاية نستدرج المتطرفين فكريًّا لملعبنا، كما نخاطب الناس العاديين المتعاطفين مع أفكار التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون حملهم السلاح أو تأثرهم فكريًّا، ومن ثم نمنع حامل الفكر في أن يدخل في مرحلة حمل السلاح وممارسة العنف، وهو هدف عظيم نرجو أن يستمر، فأنت حين تمنع شخصًا أن يكون مقاتلًا لهو عمل كبير يوفّر علي الدولة الدماء والمواجهة.أما علي المستوي الدولي فقد طلبت العديد من السفارات إصدارات المؤشر لترجمتها وتستعين بها في المواجهة الفكرية للتنظيمات المتشددة.