لو كانت المساحة تسمح لنشرت قصيدة حافظ إبراهيم: مصر تتحدث عن نفسها. أو دونت الكلمة التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عبر صفحته لموقع التواصل تحية تقدير للمصريين علي مشاركتهم الإيجابية خلال الاستفتاء علي التعديلات الدستورية 2019، ثم عاد الرئيس في عيد العمال الذي أقيم في الإسكندرية لأول مرة منذ 42 عاماً، ليعلق علي نسبة التصويت في الاستفتاء: إنتم جبرتم خاطري وخاطر مصر. وجبر الخواطر تعبير مصري اختاره يحيي حقي عنواناً لمقالات جمعها في كتاب. أعود للحظة تاريخية. مقدمة المستشار لاشين إبراهيم، قبل إعلان النتائج تحدث فيها باستفاضة عن ملابسات العملية الديمقراطية التي تمت بين المصريين. الأرقام سيذكرها التاريخ، وسيدونها بحروف من نور، لكن تبقي الدلالات الهامة. أدليت بصوتي في الأقصر، كنت في مهمة برلمانية أثرية، وشاهدت التحضر الذي يقول إنها انتخابات شعب تقف وراءه حضارة عظيمة. وعدت إلي القاهرة لأفاجأ بمدينة مغطاة باللافتات، لا توجد بينها لافتة واحدة حكومية، ولا من مؤسسات الدولة، ولكنها لافتات تبرع بها وكتبها أبناء الشعب المصري. بعد نجاح المصريين بعبور جديد لا يقل أهمية عن 1973، لا بد أن نتوقف أمام دلالات لا يجب أن ننساها في زحمة الأحداث. كان الاستفتاء علي مقربة من عيد تحرير سيناء. وكان الاستفتاء معاصراً لمؤتمرين إفريقيين عقدا في القاهرة قدمت فيها مصر طريق الخروج إلي المستقبل، والطريق الذي يؤدي لبناء السودان وليبيا بعد إنهاك ما جري لهما. وسبق عيد العمال. البطل الجوهري المواطن المصري أثبت نجاحه في مواجهة معركة التحدي والاستجابة. استجاب لمصر ومن أجل مصر. أيضاً لا بد من تحية قواتنا المسلحة التي وفرت حماية حقيقية للجان، وشرطتنا الباسلة وقضاتنا الشرفاء وإدارة دولتنا النزيهة. تكاتف الجميع من أجل أن يكتبوا شهادة إنجاز جديد تطل به مصر علي المستقبل، وتبني قادم الأيام، وتؤسس لعصر جديد. في اللجنة التي أدليت بصوتي فيها كان الموظف الشاب يعطيك بطاقة إبداء الرأي تحت سمع وبصر القاضي، وتذهب إلي وراء ستارة لِتُعَلِّمْ ما تشاء. لم أسمع وأنا في الطريق إلي اللجنة أو عند الانصراف منها عن دفع للناس علي أن يقولوا نعم أو أن يقولوا لا. كان رهان الاستفتاء هو ذهاب المصريين بجموعهم، بآلافهم، بملايينهم، ليقولوا رأيهم في تعديل بعض مواد الدستور. ذهبوا فرحين مستبشرين، اصطحب البعض منهم أطفالهم وأتي بعضهم بفرق المزمار البلدي، كأنهم كانوا علي موعد مع القدر للبدء في بناء مصر الجديدة التي تعلوها لافتة وحيدة هي: الاستقرار. المشاهد التي رآها المصريون لا تحصي ولا تعد. فربما كان أول استفتاء علي تعديل بعض مواد الدستور علي الهواء مباشرة بالصوت والصورة. لم يكن لدي أحد ما يخفيه. وقال كل من ذهب إلي لجان الاقتراع رأيه بعد أن استفتي ضميره الوطني. وسأل مصر: ماذا يقول في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة؟. في عيد العمال ذكرنا الرئيس بما أنجزناه، لكن تبقي حقائق ثابتة: ليس كل من قال لا خائنا. العمل لبناء مصر يبدأ بعد إعلان النتائج.