إذا كانت »فتوي« الشيخ سطوحي حول تحريم الزواج من أعضاء الحزب الوطني البائد قد تحولت عند البعض إلي مجرد »نكتة« بايخة، فإن »فتوي« الشيخ عامر تدعونا للبكاء علي حال مصر التي عاشت طول عمرها رمزا للمحبة والتسامح، والتي لم تعرف إلا الإسلام المعتدل وليس »إسلام طالبان« الذي يقدم الأخ عامر نموذجا له في فتواه الانتخابية التي يقضي فيها بتحريم التصويت في الانتخابات للمرشح القبطي والعلماني والليبرالي والمسلم الذي لا يصلي.. إلي آخر القائمة التي وصفها رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور وقرر أن التصويت لها حرام وإثم تجب عليه الكفارة!! علماء الأزهر الشريف ردوا علي هذا الكلام الفارغ مستندين إلي صحيح الدين الحنيف، وليس لنا أن نضيف إلي ما قالوه شيئا وهو المرجع في هذا الشأن. ولكننا فقط نتوقف لنسأل مرة أخري: ما الذي أوصلنا إلي هذه الدرجة من التخلف الفكري والتطرف الديني؟ وكيف حدث هذا »التجريف« المستمر لثقافة مصر التي قدمت أعظم نماذج التدين الصحيح، والانفتاح علي العالم، واحترام العقل وحقوق الإنسان؟ إنها الجريمة التي سمح بها النظام السابق والذي ينبغي محاكمته عليها قبل أن نحاكمه علي سرقة المال أو نهب الأراضي! هل يعقل أن مصر التي وقف أقباطها مع مسلميها في وجه الحملات الصليبية، والتي تعانق فيها الهلال والصليب علي مدي القرون، تشهد الآن مثل هذا الحديث المنحط للتصويت في الانتخابات علي أساس الدين لا السياسة؟ وهل يعقل أن مصر التي نالت فيها المرأة حقوقها السياسية بعد ثورة يوليو مباشرة تجد بعد ستين عاما من يعتبر دخولها البرلمان بلاء يجب تحمله بشرط ألا يسمع لها صوت تحت القبة أو يكشف لها وجه وفقا لفتاوي جماعات طالبان التي تسرح وتمرح علي أرض المحروسة؟ وهل يعقل أن مصر رفاعة الطهطاوي وطه حسين ومحمد عبده وشلتوت وسعد زغلول وعبدالناصر يصبح عليها الآن أن تقاتل هذا الميراث الثقيل من ثقافة التخلف التي تنادي بأن الليبرالية والديموقراطية كفر صحيح، وأن خير العلم هو ما جاءنا من كهوف أفغانستان، وأن الثورة لن تنجح إلا إذا أطلقنا اللحي وقصرنا الجلباب! سرقة الملايين تهون أمام سرقة روح مصر وتخريب ثقافتها ومحاصرة عقلها بهذا الفكر المتخلف وهذا الفهم المريض للدين والدنيا. لا غفر الله لكل من قاد مصر إلي هذا الطريق.