»اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم« هذا الدعاء قفز إلي ذهني وأنا أتابع ذلك المشهد الكارثي المحزن والمخزي لنفر من أفراد هيئة الشرطة، وهم يتظاهرون ويعتصمون أمام وزارة الداخلية، بزعم المطالبة بتحسين أوضاعهم الوظيفية. إن هذا الذي حدث، يشكل كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معان، ويمثل خطرا علي أمن وسلامة الوطن ومصالحه القومية العليا. ذلك أن جهاز الشرطة هو المنوط به تأمين وحماية الوطن من الداخل، ومنع كل ما عساه أن يحدث مخلا بالأمن والهدوء والاستقرار أو معرضا حياة المواطنين وممتلكاتهم للخطر، مع ترسيخ مشاعر السكينة وروح العدالة في نفوس كل القاطنين علي أرض الوطن، وهي كلها مهام رسالة أكثر مما هي دور وظيفة. ومن هذا المنطلق، فإن الخروج عن مقتضيات ذلك الواجب أو التقاعس عن أدائه مهما كانت الظروف يشكل جريمة قد ترقي إلي حد جريمة الخيانة العظمي. ومن ناحية أخري، فقد فرض القانون نظاما خاصا لهيئة الشرطة، يحدد ويوجب الانضباط العسكري والتدرج الوظيفي والتصنيف الفئوي والاختصاص الوظيفي، بين سائر عناصر الهيئة، بما يحقق رسالتها وأداء دورها ما علي النحو المطلوب. ولا يغيب عن أفراد هيئة الشرطة، العلم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات من قبل أن يلتحقوا بخدمة الشرطة، ولا يغيب عنهم أيضا ذلك النظام الذي أقسموا علي احترامه والعمل تحت لوائه، وأن التظاهر والاعتصام فضلا عن كونه خروجا سافرا عن هذا النظام يفقدهم شرعية وجودهم بهيئة الشرطة فإنه حتي الآن يعد جريمة تقع تحت طائلة القانون. ولا يقدح في ذلك، ما سمح به تجاوزا، لبعض الفئات الأخري بالتظاهر أو الاعتصام، فمرد ذلك كان لا عتبارات سياسية، لا يمكن افتراض أو قبول أسبابها لدي المؤسسات التي تضطلع بمهام الأمن القومي، ومن أهمها هيئة الشرطة. لذلك نناشد هؤلاء الأبناء من أفراد الشرطة، أن يعودوا إلي رشدهم، ويستلهموا عقيدتهم الأصيلة ويستحضروا في أذهانهم رسالتهم السامية، وألا يسمحوا لدعاوي التضليل والتحريض بأن تنفذ إلي نفوسهم، فتنزلق بهم إلي الهاوية. وأما بالنسبة للسيد اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية الذي نكن له كل الاحترام والتقدير فإننا بقدر ما نثق في سعة صدره وصدق نواياه لتحقيق رغبات وطموحات كل أبنائه بهيئة الشرطة، بقدر ما نثق في اصراره وقدرته علي مواجهة أي تجاوزات أو خروج عن الشرعية، بما ينبغي لها من اجراءات الحسم والردع التي تكفل لجهاز الشرطة في النهاية، أن يظل قويا شامخا منيعا ضد أي اختراقات أو مخططات عدائية. حفظ الله مصرنا الغالية، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.