جمهورية زفتي كان يوسف الجندي شاباً من أبناء زفتي، يمتلئ حماساً، وبعد المرحلة الثانوية ذهب إلي القاهرة ليلتحق بمدرسة الحقوق، وأثناء وجوده في القاهرة التف هو وغيره من الشباب المتحمس حول سعد زغلول، وكان الاستقلال هو محور اهتمامهم، وكان يوسف لا يخفي عداءه للإنجليز، فأقلقهم نشاطه ففصلوه من المدرسة، وحين نفي الإنجليز سعداً ورفاقه وهبت الثورة، قرر يوسف الجندي أن يوجه صفعة قوية للإنجليز، فأعلن استقلال زفتي، واختاره أهل زفتي رئيساً لدولتهم بالانتخاب، ولم يشأ أن يجعل دولته سلطنة مثل السلطنة المصرية، بل قرر أن يوجه صفعة أخري للنظام القائم، فأعلن دولته باعتبارها جمهورية. وملأ الخبر الدنيا، وكتبت عنه أكبر الصحف الإنجليزية وغير الإنجليزية. اتخذ يوسف من مقهي يملكه رجل يوناني، اسمه مستوكلي، مركزاً لقيادة الثورة. وكان يجتمع فيه مع رفاقه من وجوه زفتي ليتخذوا قراراتهم. ولم ينفرد يوسف بالسلطة، بل بادر بتكوين لجان لإدارة شئون جمهوريته، فأنشأ لجنة للتموين، وأخري للأمن والحماية برئاسة المأمور الذي انضم للثورة، وثالثة للإعلام برئاسة محمد افندي عجينة صاحب المطبعة الوحيدة بزفتي، وأصدر صحيفة لجمهوريته، وكانت المطبعة تطبع منشورات متواصلة لرفع معنويات الناس. كما أنشأ لجنة للنظافة، ولعل أطرف ما أنشأه يوسف الجندي هو كشك الموسيقي. ومن الطريف أيضاً أن رجلاً خارجاً علي القانون اسمه سبع الليل، أعلن توبته وطلب من الثوار أن يضموه إليهم، لعل الله يغفر له بمساندته للثورة. حين علمت السلطات الإنجليزية بخبر لجمهورية زفتي قامت بعدة محاولات للقضاء عليها، لكنها باءت بالفشل. وأخيراً أرسلت قوة أسترالية عن طريق النيل، وبدأت القوة بالضرب في الهواء للتخويف، فأرسل الثوار منشوراً بالإنجليزية للقوات الأسترالية، يقولون لهم فيه إن أستراليا واقعة تحت الاحتلال الإنجليزي مثل مصر، وإن وضعهم لا يختلف كثيراً عن وضع المصريين، ويجب ألا يكونوا آداة في يد الإنجليز ضدهم، وأثر المنشور في الأستراليين، فقبل قائد القوة أن يتفاوض مع الثوار، واتفق مع وفد المفاوضات علي أن يسلموه عشرين فرداً من أبناء زفتي ليجلدهم حفاظاً علي هيبة السلطة، فوافق الثوار، لكنهم سلموه عشرين رجلاً ممن كانوا يعادون جمهوريتهم، وهكذا جلد الإنجليز أنصارهم. أما يوسف الجندي ورفاقه فقد هربوا إلي عزبة سعد زغلول القريبة في مسجد وصيف، وهناك استقبلتهم السيدة صفية زغلول وأكرمت وفادتهم، وبهذا انتهت قصة جمهورية زفتي، بعد إثني عشر يوماً لم يضيعوا أبداً من ذاكرة المصريين باعتبارهم صفحة من صفحات البطولة والمجد.