الأحداث التي تفرض نفسها علي الساحة لا سيما الحزينة، والدامية، والمؤسفة مثل موضوع "ماسبيرو" وما يثيره من جدل ومزايدات تمنع الرأي العام أن يري ما هو إيجابي في حياتنا العامة وممارسة مؤسساتنا، وأن يشعر الناس ببصيص من الأمل والارتياح. منذ أعوام طويلة والأمن القومي المصري يعمل بجدية لتنفيذ صفقة تبادل الأسير الإسرائيلي "جلعاد شاليط" بحوالي ألف أسير فلسطيني منهم 72 امرأة فلسطينية عانت مثل إخوتها داخل سجون إسرائيل، وليس سراً علي أحد أن الخلافات أيضاً بين حماس ومنظمة التحرير لعبت دوراً كبيراً في عرقلة أداء هذه المهمة. وعندما جاء علي رأس جهاز الأمن القومي المصري "المخابرات" اللواء مراد موافي قام بجهد مكثف في صمت وتميز في الأداء لإتمام المهمة. لا أحد يجهل أيضاً أن كثيراً من الدول الوسيطة أرادت أن يكون لها دور وأن يحسب لها نجاح هذا الموضوع، ولكن الحسابات الدقيقة والحذر الذي مارسه جهاز الأمن القومي ورئيسه جعل الجميع يعترفون بأن مصر هي التي أحرزت هذا النجاح، وأن يفهم الجميع أن البعد الاستراتيجي المستمر لعمل المخابرات المصرية كان ولا يزال دائماً يدعم إمكانات التقارب والهدوء علي الساحة الفلسطينية- الإسرائيلية. وليت أصحاب الأصوات العالية وأنصار "ثورة الحناجر" -التي جالت في شوارع مصر تهاجم مؤسسات الحكم بدعوي أنها أهملت القضية الفلسطينية- تتفهم أنه لا بديل عن لغة العقل والحسابات الذكية فتتوقف عن التعامل مع الملف الفلسطيني بتطرف غير واع. ما استطيع أن أقوله في مقالي اليوم أن ثقة جهاز الأمن القومي في نفسه لم تسمح له أن يزايد علي الأصوات العالية ويكشف أوراقه مسبقا ويؤكد أنه قريب من إتمام نجاح صفقة الأسري الفلسطينيين. أكثر من خمسين في المائة من رصيد نجاح الأمن القومي المصري يأتي من قدرته علي الصمت، وضمان سرية تفاصيل العملية. وسيستمر الصمت في كشف كل التفاصيل وذلك لتأمين تسليم الأسير الإسرائيلي لبلده وإخراج الفلسطينيين من الحبس والاعتقال. وحينما وصل مشعل إلي مصر ووجه تحية تقدير واعتراف بالجميل للمخابرات المصرية فإنه كان يعني ما يقول، وليس سرا علي أحد أن الأوضاع في سوريا قد تدفع يوماً خالد مشعل ورفاقه أن يختاروا ولو مؤقتا مصر، ولم يتأكد ذلك. النجاح الثاني: الاعتذار الإسرائيلي من دولة الغطرسة والغرور بقي النجاح الآخر وهو تقديم إسرائيل الاعتذار عن قتل خمسة جنود مصريين علي الحدود الإسرائيلية في سيناء ولا شك أن تصريحات بعض المسئولين الإسرائيليين عن رفضهم لمبدأ الاعتذار كان استفزازياً. لا سيما أنه أتي بتحدي إسرائيل في غطرسة وغرور مطلب تركيا بالاعتذار عن الاعتداء بالقتل علي الأتراك في قافلة الحرية التي جاءت محملة بالمعونات إلي مياه غزة. ورغم علم قادة إسرائيل أن تركيا التي كان يربطها بها علاقات وثيقة قد عبرت عن غضبها بقوة وهددت بضرب مستقبل العلاقات التركية- الإسرائيلية حفاظا علي كرامة شعب اعتاد علي الاعتزاز بكرامة دولته. وفاوضت مصر من خلال جهاز أمنها القومي في صبر وهدوء للحصول علي الاعتذار الإسرائيلي الذي يعيد لشعب مصر كرامته. وليت هؤلاء الذين ذهبوا إلي سفارة إسرائيل واتحمل مسئولية أن أسميهم "غوغائية" وأن ينتهز فرصتها انضمام الخارجين عن القانون والبلطجية، وأيضاً المحاولات الإجرامية بعد حرق عربتين للأمن المركزي لمحاولة اقتحام مبني مديرية أمن الجيزة وقتل رجاله كل ذلك تحت شعار الانتقام لقتل أبنائنا علي الحدود، والأمن القومي لا يستطيع أمام هذه الأصوات المجنونة أن يكشف عن تحركاته الهادئة والسرية للحصول علي حق مصر في الاعتذار الإسرائيلي . إذا كنت قد تعمدت اليوم أن اتعرض لهذا الموضوع فهو لرغبة لدي لأن أعطي للأمن القومي المصري ورئيسه اللواء مراد موافي حقه في تحية تقدير للجهد ولعبقرية الأداء والتنفيذ. ماسبيرو "...إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.." لن أدخل في تفاصيل حقيقة ما حدث في ماسبيرو ولكني اتوقف أمام ثلاث نقاط: أولاً: أن حجم ما أغرقت به القنوات الخاصة الساحة من هجوم ضار علي "الإعلام الرسمي" لا مقارنة له بحق الإعلام الرسمي أو "القومي" في الدفاع عن نفسه، ولم يسمح الكثيرون بكلمة حق تقال في منابرهم تخلق التوازن بين وجهتي النظر. ثانياً: ليس من الصعب أن نفهم أن هناك فارقا بين المعلقين علي الأحداث بالتليفزيون وهم علي "خط المواجهة" وبين من هم بعيدون عن "الجبهة"..! ثالثاً: هل صحيح ما وصل إلي أذني من المهنيين في مجال الإعلانات أنه كان هناك نوع من القلق لدي بعض القنوات الخاصة أن يستعيد "التليفزيون الرسمي" جزءا من سوق الإعلانات؟ والأهم من كل ذلك هل لي أن استعين في هذا المجال بقول الله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين«.