من أجمل الحكايات الواسعة الانتشار في فيس بوك، سيدة عجوز في إحدي دور المسنين، تقول لابنها: الدار يحتاج إلي مراوح لأن الجو نار في الصيف، ودفايات لأن الصقيع يفتت العظم في الشتاء، وثلاجة لأن الطعام يفسد. وتستمر الأم في طلباتها لابنها الذي يبدو ثرياً: نحتاج بطاطين وأكواب، ويا ريت قطع موكيت علي الأرض. وتستطرد: خلاص يا ابني أنا أيامي قربت، وكلها أيام. سألها الابن: ولماذا تحتاجين كل هذه الأشياء ؟ ردت: لأن قلب الأم يخاف عليك من البرد والحر والجوع، حين يأتي بك أبناؤك إلي هذه الدار، وأنت لا حول لك ولا قوة. لا حول لك ولا قوة الأبناء الصالحون يتمرغون في تراب والديهم، ويشعرون أنهم السند والعزوة والقوة والبركة، وأن الله يرزقهم بسبب الأم الطيبة التي تملأ البيت دفئاً ومحبة. الأم والزوجة الصالحة كنز من السماء، والأب الطيب نعمة من الله، الأم التي حين تغيب عن الدنيا، تأخذ معها كل الأشياء الجميلة، وأهمها روح المحبة، حين يلتف حولها الأبناء، ينهلون من بركتها. الأم إذا غابت ينطفئ النور وتظلم الحياة، خصوصاً إذا زرعت في أعماق أولادها المبادئ والقيم وحب الخير والمودة والرحمة. في زمن القسوة، نسمع حكايات غريبة عن الجحود والندالة، مثل الابن الذي ألقي بأمه في دور المسنين، فحرمها في آخر أيامها من الدفء الذي منحته، ومن الرحمة التي أظلته بها، ومن الاشتياق لبيتها وذكرياتها الجميلة في آخر العمر. القسوة قد تأتي من زوجة متمردة وأنانية، تريد أن تستحوذ علي البيت ومن فيه، فتختلق المشاكل والأزمات، وتضع الزوج الضعيف أمام اختيارات صعبة، فيضحي بأمه من أجل زوجته. والجحود قد تصنعه الأم نفسها، إذا تصورت أن ابنها الرجل لايزال صغيراً، ويجب أن يظل ابن أمه، دون أن تدرك أنه أصبح ملكاً لامرأة أخري. الله يرحم أيام زمان كانت الأم خصوصاً في الصعيد يعمل لها ألف حساب، من قوة الشخصية والرأي السديد، وقدرتها علي إدارة شئون بيتها، لأن الرجال كانوا يعملون طول النهار، ولا وقت لهم لرعاية أولادهم. أمهاتنا شربن المر، في زمن كان فيه كل شيء شحيحاً، في الأكل والشرب والمسكن والملبس، ورغم ذلك أنشأن رجالاً يستطيعون تحمل المسئولية، والتعامل مع مصاعب الحياة. يا ريت أمهات وآباء هذا الزمن يستحضرون أجمل ما في السنين التي مضت، الابن الذي يستيقظ، فيقبل رأس أمه ويد أبيه، مبتسما بشوشاً »صباح الخير«، واللمة الطيبة علي الإفطار، ليبدأ الجميع يومهم بالتفاؤل والأمل.