دخلت الثورة المصرية مرحلة جديدة بالاستعداد للانتخابات البرلمانية. لقد عشنا مراحل عديدة وستتوالي مراحل أخري في مسيرة الثورة المصرية . عشنا سنوات التمهيد للثورة منذ انهمرت مشاريع الاصلاح ومبادرات دولية وأخري اقليمية وثالثة محلية للإصلاح في العالم العربي . وقدّم الاخوان المسلمون في 3/3/4002م في ندوة شهيرة بنقابة الصحفيين المصرية مبادرتهم للاصلاح والتي كان من أبرز عناوينها الأمور التالية : رفض الهيمنة الأجنبية والمشاريع الخارجية . ضرورة الاصلاح الشامل في كل المجالات والمصالحة بين الحكام والشعوب . نقطة البدء هي الاصلاح السياسي والدستوري . أهمية تضافر الجهود بين كل القوي السياسية والشعبية للعبور بالبلاد إلي بر الأمان حيث لا يتحمل عبء الاصلاح أي حكومة منفردة ولا هيئة ولا حزب ولا جماعة بمفردها . وتوالت الثورات العربية عندما أدركت الشعوب أن الحكام المستبدين قد أغلقوا أبواب الأمل في أي إصلاح وأن مشاريع التوريث في كثير من البلاد قائمة علي قدم وساق . وانتقل الأمر إلي يد الشعوب بعد هروب الحكام أو مطاردتهم أو محاكمتهم فها هي الشعوب امتلكت زمام أمرها بيدها ، وفرضت إرادتها علي حكام أصموا آذانهم عن نداء الاصلاح ، فهبت عليم رياح الثورة العاتية . ومن منطلق الاحساس بالمسئولية الوطنية ، والشعور بضرورة تكاتف كل القوي السياسية كان انظلاق "التحالف الديمقراطي من اجل مصر " كثمرة لسلسلة حوارات من اجل مصر التي استمرت طوال عام 2010 قبل الثورة وكان آخرها في81/3/1102م عقب دخول البلاد في مرحلة ما بعد حسني مبارك ونظامه . واستمر التحالف الديمقراطي يؤدي دوره وأصدر وثيقته الاساسية كمبادئ أساسية لبناء مصر الدستورية والحرة والمستقلة في 21 مادة تُعد رؤية استراتيجية وسياسية وتنموية واضحة تلتزم بها أطراف التحالف التي وصلت إلي حوالي 43 حزباً سياسياً . وانطلق قطار الانتخابات من محطته الأولي بالإعلان عن القوانين المنظمة للانتخابات وتعديلاتها وجداول المراحل الثلاث لكل من مجلسي الشعب والشوري وبدأ الاستعداد لخوض اول انتخابات برلمانية بعد الثورة لتشكيل البرلمان الذي ستدخل به مصر مرحلتها الثالثة وتنتهي به المرحلة الثانية التي كان أبرز ظواهرها المحاولات المستمرة لتعطيل الانتخابات بكل الطرق والوسائل لحجب الارادة الشعبية وتم استخدام كل الذرائع لتعويق الثورة عن الوصول إلي أهدافها بأن يتولي الشعب المصري اختيار حكامه ونوابه بإرادة حرّة نزيهة ، وكان مصير كل المحاولات الفشل وبدأ الجميع يستعد لإعلان قوائم المرشحين للأحزاب وأسماء المرشحين للدوائر الفردية. أطراف العملية الانتخابية المقبلة هم : أولاً: هيئة الناخبين من الشعب المصري ويصل عددهم إلي حوالي 50 مليون ناخب وناخبة سيصوتون لأول مرة ببطاقة الرقم القومي ويستخدمون الحبر الفسفوري ومن المتوقع أن تصل نسبة المشاركة إلي أكثر من النصف مما يعني تصويت أكثر من 25 مليوناً وقد يزداد العدد إلي حوالي 35 مليوناً، وهناك ملايين المصريين بالخارج يحق لهم التصويت ولكن لم يتم الاعلان حتي الآن عن كيفية احتساب اصواتهم والغالب أنهم لن يتمكنوا هذه الجولة من المشاركة هؤلاء هم أصحاب القرار وهم القادرون علي حماية ارادتهم من العبث بها أو تزويرها . ثانياً: الجهة المشرفة علي الانتخابات وتشمل هذه المرة عدّة جهات منها المجلس العسكري الذي يتولي سلطة الأمر الواقع وعليه أن يثبت كما وعد دائما أنه علي مسافة واحدة من كل الأطراف وقبوله بنتائج الانتخابات ، إلا أنه أخل بوعدٍ قطعه علي نفسه بالإعلان عن إنهاء حالة الطوارئ قبل الانتخابات ، واصدار قانون العزل السياسي لمن أفسد الحياة السياسية والبرلمانية في السنوات الماضية . ويشرف فعلياً هذه المرة اللجنة العليا للانتخابات بتشكيلها القضائي وهي أحد أهم ضمانات نزاهة الانتخابات مع ازدياد حجم الاقبال الشعبي ومجرد حضورها يمثل مؤشرا جيدا للاطمئنان علي نزاهة وحياد الانتخابات للثقة الكبري التي يُحملها الشعب للقضاء المصري العظيم. ويتولي جهاز الشرطة دوراً هاماً في تأمين الانتخابات ضد أي مظاهر للبلطجة أو العنف رغم ما يقال عن عدم جهوزيته، إلا أن حضور الجيش بجواره ومساندته سيؤدي إلي تأمين الانتخابات بمشيئة الله ، واضافة إلي ذلك سيكون للإقبال الشعبي والانتظام وحضور اللجان الشعبية من شباب الثورة ورجالها اضافة مهمة لمنع كل مظاهر العنف، كما سيكون حرص الأحزاب والقوي السياسية والمرشحين وأنصارهم علي الصورة الحضارية لمصر أحد أهم العوامل التي تقلل المخاوف التي زرعها البعض ولا يزال يروج لها بهدف تأجيل الانتخابات وتعطيل مسيرتها. ثالثا: الأحزاب السياسية المتنافسة علي كسب ثقة هيئة الناخبين ، وقد وصل عددها حتي الان قرابة الخمسين حزباً ، بين قديم ومتجدد وجديد وقد تشكلت حتي الآن كتلتان انتخابيتان وهما : كتلة التحالف الديمقراطي الانتخابية ، والكتلة المصرية التي لم تتضح ملامحها بعد. وحتي هذه اللحظة هناك 3 احزاب أعلنت عن عزمها تشكيل قوائم منفردة هي : الوفد والنور والوسط ، ولم يظهر بعد هل ستشكل ما يسمي بأحزاب الفلول ، التي خرجت من رحم الحزب الوطني كتلة انتخابية متحالفة أم ستخوض الانتخابات بقوائم منفردة. وأمام تلك الأحزاب كلها صعوبات في النزول بقوائم في كل الدوائر لاجتياز نسبة النصف في المائة مع توقعات زيادة حجم المشاركة وصعوبة تشكيل قوائم في ال 46 دائرة حزبية تحظي بتوزيع جغرافي جيد وكفاءات لها شعبية وثقل انتخابي يجعل حظها موفوراً في الحصول علي مقاعد البرلمان القادم . وباستثناء وثيقة التحالف الديمقراطي وبرنامجه الانتخابي الذي بات قاب قوسين أو أدني لم تظهر بعد أي برامج انتخابية رغم أهمية تلك البرامج ، ولعل برنامج التحالف الديمقراطي سيستفيد بخبرة نواب الاخوان السابقين وتجاربهم البرلمانية لوضع برنامج عملي وليس مجرد كلام إنشائي برنامج يحقق توظيف الشباب وتنمية سيناء ، والاهتمام بالصعيد، ودستور عصري لدولة ديمقراطية . رابعاً : الاعلام المصري والعربي والدولي ، وجمعيات مراقبة ومتابعة الانتخابات وهؤلاء لهم دور خطير في متابعة ما يجري علي الساحة الانتخابية وتقديم المعلومات اللازمة للناخبين ، ونقل تطورات المشهد الانتخابي كله وتوعية المواطنين ببرامج الأحزاب المتنافسة، وعلي الاعلام خاصة أن يكون محايدا، وإن صعب عليه ذلك في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر الحديثة. وهذه المراقبة من الأهمية بمكان لأنها ستعطي شهادة المصداقية لأول تجربة انتخابية بعد الثورة. البرلمان القادم سيكون محصلة تفاعل كل تلك الأطراف وسيعكس أداء تلك الهيئات وسيكون بإذن الله أول برلمان تضع به مصر اللبنة الأولي وحجر الأساس في مصر الحديثة الحرة المستقلة الديمقراطية الدستورية. والمواطن المصري هو حجر الزاوية في كل مراحل العملية الانتخابية، فقد أصبح اليوم سيداً في وطنه، حراً في قراره، مشاركاً في صنع المستقبل .