تمثل العلاقات بين مصر وفرنسا نموذجا للتعاون بين الدول في مختلف المجالات، حيث يحرص الجانبان علي تطويرها بشكل مستمر والارتقاء بها علي جميع الأصعدة السياسية والإستراتيجية والعسكرية والثقافية ومن هنا تأتي اهمية زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إلي مصر لتؤكد أهمية هذه العلاقات التي تطورت خلال السنوات الأخيرة وشهدت تناغما شديدا وترابطا قويا الأمر الذي جعل من العمل السياسي والدبلوماسي بين البلدين ركيزة مهمة من ركائز العلاقات الثنائية. ويري خبراء ان هناك علاقات استراتيجية بين مصر وفرنسا، خير دليل عليها هي استيراد طائرات الرافال الفرنسية وحاملتي الطائرات »المسترال»، وأن فرنسا تعزز القدرات العسكرية المصرية لأنها تعلم أن مصر تكافح الإرهاب وتقوم بدور كبير في مكافحة الهجرة غير الشرعية. ودخلت العلاقات المصرية الفرنسية مرحلة جديدة في كافة المجالات منذ تولي الرئيس السيسي حكم البلاد، تدفع في اتجاه أهمية زيارة ماكرون، انتهت بإعلان العام 2019 عام الثقافة المصرية الفرنسية المشتركة. كما شهدت العلاقات تطورات كثيرة انعكست بتوقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، ودفع حجم الاستثمارات بين البلدين. وستناقش القمة المصرية الفرنسية بين الزعيمين بحث التعاون الثنائي في استكمال خطة تسليح وتطوير القوات المسلحة والقوات الجوية المصرية إلي جانب مناقشة حلول للقضايا مثل ليبيا وسوريا- اليمن بعد ان اصبحت فرنسا أهم لاعب بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. تأت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلي مصر وهي الزيارة الأولي من نوعها التي يقوم بها منذ توليه منصبه عام 2017 إلي القاهرة في توقيت مهم وتحمل دلالات مهمة في ظل المستجدات الأخيرة علي الساحة السياسية عربيا ودوليا. فالي جانب ان فرنسا تعد من أكبر الشركاء التجاريين والاستثماريين بمصر فهي تربطها بمصر علاقات تاريخية ممتدة وعلاقات سياسية واقتصادية منذ سنوات بعيدة وبصمات في مشروعات عديدة في مصر أبرزها مشروع مترو الأنفاق ومشروعات الطاقة وكثير من القطاعات الأخري. وتؤكد الزيارة والتي تستمر ثلاثة أيام أهمية هذه العلاقات وتعطي زخما أكثر للعلاقات الاستراتيجية القائمة بينهما كما ستكون فرصة جيدة لتعزيز العلاقات وتطوير الشراكة القائمة في شتي المجالات، فضلا عن تبادل الرؤي إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعلي رأسها مكافحة الإرهاب، والازمة السورية. للزيارة اهمية كبيرة من الناحية السياسية، خاصة وان الوضع في منطقة الشرق الأوسط في حاجة شديدة للتنسيق مع الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وألمانيا وان الزيارة تحوي في طياتها فائدة كبيرة للبلاد، باعتبار أن مصر دولة رائدة في منطقة الشرق الأوسط ومحور رئيسي لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وتسعي مصر إلي تعزيز قوتها العسكرية حتي تتصدي لمتشددين ينشطون في شبه جزيرة سيناء، وقبل امتداد الأزمة التي تشهدها ليبيا المجاورة إلي أراضيها، فيما يحرص حلفاء مصر علي تحسين صورتها وسط منطقة تعاني من الاضطرابات. وهو مايتطلب مكافحة الإرهاب إقليميًا ودوليًا، ودعم التعاون الاستخباراتي بين البلدين، وبحث وضع المطلوبين أمنيًا سواء من فرنسا أو مصر وإعادة النظر في مسألة الهجرة واللاجئين، بالإضافة لمكافحة الإرهاب والتنسيق بين البلدين في تبادل المعلومات والتمويل والتسليح. من ناحية اخري تأتي زيارة الرئيس ماكرون في ظل أجواء ساخنة يشهدها الداخل الفرنسي بعد احتجاجات حركة »السترات الصفراء» المناهضة لماكرون لاسيما ما يتعلق بغضب تجاه ارتفاع الأسعار، بعدما بدأت الحكومة تنفيذ إصلاحات اقتصادية يتعلق برفع الدعم عن المحروقات، كما تأتي في توقيت مهم في ضوء متغيرات عدة يشهدها الاتحاد الأوروبي، من بينها دعوات التفكك، ولهذا من المتوقع ان تتناول القمة بين الزعيميين عدد من الملفات الهامة مثل الملف الليبي، في ظل رغبة باريس في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية علي خلاف الرغبة الإيطالية، مع مساعي الطرفين لاستقطاب دول الجوار إلي رؤيتها لحل الأزمة خاصة وأن الرؤي الفرنسية تتفق تماما مع مصر فيما يخص القضية الليبية باعتبارها دولة جارة لمصر وتمثل أهمية استراتيجية وأمنية لها. أما علي المستوي الإقليمي فمن المتوقع ان تتناول القمة الأزمة السورية وتطوراتها الأخيرة في ضوء قرار الولاياتالمتحدةالأمريكية بسحب قواتها، ومعارضة فرنسا لذلك القرار، لافتًا إلي أن فرنسا لها 1200 جندي علي الحدود بين العراقوسوريا في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والتشاور بشأنها في مرحلة ما بعد التسوية وإعادة الإعمار فقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاسبوع الماضي أن قوات بلاده »ملتزمة عسكريا تجاه بلاد الشام» ضمن التحالف الدولي. وأوضح أن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا لن يبعد فرنسا عن هدفها الإستراتيجي وهو القضاء علي تنظيم داعش الارهابي وهو الالتزام نفسه الذي شدد عليه تجاه منطقة الساحل، التي تخوض فيها القوات الفرنسية حربا ضد المتطرفين هناك منذ سنوات. ومن المتوقع إيضا أن تتناول القمة المقترح الأمريكي بتشكيل ناتو عربي لمواجهة إيران بدلا من الولاياتالمتحدة وتتناول ايضا الحرب في اليمن، وكيفية مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة. وسبق ان تلاقت وجهات نظر مسئولي القاهرةوباريس عبر حوارات ثنائية، حول عملية السلام في الشرق الأوسط، وأخذت الدولتان مواقف متقاربة علي مستوي عدد من القضايا، أهمها الاتفاق علي خلق تعبئة دولية من أجل محاربة المنظمات الإرهابية التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي. كما توافق رؤي الدولتان حول الدعوة لاستئناف مفاوضات السلام لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967، حيث شدد البلدان علي ضرورة دعم مفاوضات السلام، ووحدة الصف العراقي، حيث اتفقت الدولتان علي دعم برنامج السلطات العراقية الذي يهدف إلي وحدة الدولة العراقية بغرض دعم الاستقرار الداخلي في العراق، والانتقال السياسي لحل الأزمة السورية، حيث اتفقت الدولتان علي التطبيق الكامل لإعلان »جنيف » المؤرخ في 30 يونيو 2012، كما الحل السياسي للأزمة الليبية، حيث أخذ البلدان مبادرة أكدت تمسك الدولتين بوحدة الأراضي الليبية وسلامتها، والانخراط في طريق الحوار برعاية الأممالمتحدة .