رغم أنه يفضل الحديث عن المستقبل أكثر من الماضي خاصة وسط مايمر به الوطن من ظروف سياسية واقتصادية وأمنية أعقبت ثورتنا للتغيير..ورغم أنه سياسي ودبلوماسي محنك وليس "رجل" عسكري..إلا أن عمرو موسي - الدبلوماسي والسفير ووزير الخارجية السابق وأمين عام الجامعة العربية الأسبق والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية - استمرأ الحديث عن ذكرياته وقت حرب أكتوبر المجيدة. بداية...يوم 6 أكتوبر هو حدث تاريخي عظيم في السجل الوطني لمصر ، وكلما حل هذا اليوم منذ عام 1973 وحتي الآن الي أن يشاء الله سيكون يوم فخار..ويوم مجد..ويوم اعتزاز..لكل المصريين وكل العرب لتعم حالة الفخار والزهو من جديد أرجاء العالم العربي. الحرب قامت كنت في هذا اليوم في نيويورك ، حيث أحضر الدورة العادية للأمم المتحدة التي تبدأ في شهر سبتمبر..وقد أيقظني نائب رئيس الوفد المصري المشارك في اجتماعات الدورة السفير الدكتور أحمد عثمان - رحمه الله - في الساعة الخامسة والنصف فجراًً..وقال لي : "قوم الحرب قامت" فقط ..وقلت له " أنا آتي لك..في خمس دقائق سأكون عندك" ، "بس هي حرب إيه؟"..قال لي "فيه كلام كويس جداً..ونحن نبلي بلاء حسناً"..فقلت له "أرجو أن يكونوا صادقين..!" ، لأننا تعبنا من الكلام الكثير الذي ليس له أساس. ذهبت الي مكتب البعثة الدائمة لمصر لدي الأممالمتحدة..وتابعت الأنباء..وكنت مسئولاً عن هذه المتابعة..وتزايد لدي اليقين أن البيانات حقيقية ورصينة ، وتتحدث عن وقائع حقيقية..وبالتالي ازداد الحماس داخلي..كلنا الحقيقة..وازداد احترام القرار الذي اُتخذ..وذهبنا الي الأممالمتحدة وانعقد مجلس الأمن.. وأذكر هنا الفرق بين اجتماع مجلس الأمن في عام 1967 وعام 1973 .. فعام 1967 كان يشكل انتصاراً لدي الاسرائيليين..وسمعنا وقت قول النبأ في اجتماع مجلس الأمن ، تصفيقا عاليا من أعلي قاعة اجتماعات المجلس..من المواطنين العاديين الذين يحضرون الاجتماعات.."بيبقوا عشرات أو حوالي مائة أو مائتين"..وسمعنا "هيصة كبيرة" منهم ..يحيوا الانتصار الإسرائيلي.. أما في عام 1973 وقت حرب أكتوبر العظيمة..أُعلن في مجلس الأمن سقوط خط بارليف ، فثارت "ضجة كبري وهيصة" في نفس هذا المكان..وكان وقتها ممتلئ بالكثير من العرب ، وكل العرب صفقوا وسمعنا دوي التصفيق يرج أرجاء القاعة..وكان التصفيق لانتصارنا علي اسرائيل أكبر وأعلي من التصفيق للانتصار الاسرائيلي علينا. وكانت "حاجه" عظيمة جداً شعرت بها..وشعرنا بها جميعا كمصريين وكعرب..كأنه عوضنا اللحظات الكئيبة التي مررنا بها عام 1967 بلحظات سعيدة ولحظات انتصار سنة 1973..وبالتالي انقلبت الموازين وتغيرت الأوضاع وأصبح هناك نظرة مختلفة الي الجيوش العربية والي الجيش المصري بصفة خاصة.. وكان بيننا مشاورات كبعثة مصر لدي الأممالمتحدة..فكنا وقتها نعبئ لاتخاذ القرارات اللازمة بعد هذا الحدث الجلل ، وكنا نعمل من موقع انتصار وليس من موقع تراجع. انقلبت الموازين وبعدما عدت علي مصر كان الوضع كله قد اختلف عن ذي قبل ، وانقلبت الموازين..ومصر كانت في حالة كبيرة من الانتصار ..وتحول الشعور بالحزن والكآبة إلي شعور بالزهو.. و بدأ التفكير في أروقة وزارة الخارجية وقتها في ما يخص قضية الانتصار هذه..وتحدثنا عن الخطوة القادمة التي يجب أن يسري فيها مفاوضات بيننا وبين اسرائيل ..وبدأنا "نشتغل" فيها جميعا في وزارة الخارجية بعد ذلك ، وكان "شغل كويس أوي" ، "والحمد لله أنه أنتهي علي خير باستعادة الأرض المصرية ، وهذه مسألة أساسية..وأخيرا الحركة السياسية التي أوجدتها حرب أكتوبر عربياً ودولياً ، مسألة لا تنسي..ولذلك يوم 6 أكتوبر هو يوم عيد حقيقي لنا..وعندما كنت سفيراً كنت أزهو بعيد 6 أكتوبر وأحتكم به شخصياً.