لا أحد ينكر علي الشعب المصري حضاريته وتمدنه ومراعاته لمصلحته الوطنية في احلك الظروف . ان الثورة البيضاء الذي قام بها يوم 52 يناير ليست سوي انعكاس لهذه المواصفات المتأصلة في شخصيته وفي سلوكياته استنادا الي تاريخه وتراثه وما تحمله من مسئوليات . في هذا الاطار وانطلاقا من هذا الواقع فإن القوات المسلحة المصرية ليست سوي خليقة هذا الشعب خرجت من صلبه ولم تنفصل عنه في يوم من الايام.. من هنا فقد كان من الطبيعي ان يكون دورها هو السند وشالدرع الذي وفر الحماية لكل ضمانات النجاح لهذه الثورة. اننا وعندما نفكر في الدور الذي اضطلعت به هذه القوات استنادا الي وطنيتها وتجاوبها دوما مع مطالب الشعب.. فإن الفكر لابد وان يقودنا الي ما يجري حولنا في دول شقيقة وكيف تقوم جيوشها بخوض حرب اهلية لوأد الثورات الشعبية لصالح حكامها وان كان حجتها في ذلك الدفاع عن الامن والاستقرار. من المؤكد اننا سوف نضع نصب اعيننا ونحن نتابع الاحداث المأساوية في سوريا وليبيا واليمن والتي تشهد كل يوم سقوط العشرات من الضحايا بالاضافة الي عشرات الجرحي ان نحمد الله علي حضارة ووطنية وحكمة قواتنا المسلحة. كنت أتنمي ان تكون هذه الصورة كاملة امام الذين يعملون علي تنظيم الفاعليات التي تهز استقرار وأمن مصر ويحرضون علي ممارسة الاستفزازات ضد قواتنا المسلحة المفوضة من الغالبية الشعبية لادارة شئون البلاد واعداد الساحة لعملية اصلاح ديمقراطي شامل . كيف كان يمكن ان يكون عليه حال الثورة لو ان القوات المسلحة لم تنحاز لها استجابة لارادة الشعب؟ . ان هذا الشعب وبعد تفاقم الاوضاع والمعاناة لا يفكر حاليا سوي في عودة الامن والاستقرار حتي يتمكن من ممارسة حياته ويستمتع بالحرية والديموقراطية . ان الاهتمام الشعبي يتركز حاليا علي ضرورة ان يسود الامن والاستقرار باعتبارهما الارضية اللازمة لقيام النظام السياسي السليم . ان ما يأمله هذا الشعب الذي يتعرض لاقسي المعاناة في حياته اليومية منذ قيام الثورة هو ان يتحمل المجلس الاعلي للقوات المسلحة المسئولية بأمانة وبشجاعة تتسم بالحسم وبحيادية والحيادية الكاملة متجنبا الضغوط وعمليات الاستقطاب التي تستهدف انحيازه الي طرف بعينه. المطلوب منه الانحياز للمصلحة الوطنية وليس اي شيء اخر معتمدا علي مساندة الغالبية الشعبية المرتبطة بتراثها ووسطيتها وحرصها علي مكانة الوطن وتاريخه السياسي . لابد ان يدرك هذا المجلس ما يتميز به هذا الشعب من تسامح ونبذ للتطرف في كل ما يتعلق بحياته وتطلعه دوما الي الشفافية ومناهضة الفساد بكل انواعه.. . انه يتطلع الي اقامة حياة سياسية ديمقراطية.. ان هدفه وجوهر تحركاته.. الكفاح من اجل الاعتراف بأنه مصدر كل السلطات وأنه صاحب الحق في اختيار شكل الحكم الذي يرضاه . هذا يجعله يرفض كل عمليات التسلط والهيمنة علي ارادته بما يفتح الطريق امام الديكتاتورية التي رفضها وثار عليها. علي ضوء هذه المسئولية التي يجب ان يتحملها المجلس الاعلي للقوات المسلحة بمباركة ومساندة الغالبية الشعبية الكاسحة فانه يتحتم عليه الحرص علي أمن الوطن واستقراره . انه مطالب بالعمل علي ان يكون له موقف حاسم يقوم علي اقناع كل القوي علي الساحة بأن مصر فوق الجميع وأنه لا يمكن السماح بأن تكون نهبا للجدل العقيم الذي يجافي المصالح العليا ولا يخدم سوي المصالح الشخصية الضيقة. في هذا المجال وحتي تكون الامور واضحة تماما للجميع اصبح ضروريا ان يسود الانضباط الذي يستوجب التوقف عن السلوكيات العشوائية والهوجائية والتي تدفع الوطن الي المزيد من حالات الضياع وما يترتب عليها من اعباء جسام يتحملها الغالبية من ابناء هذا الشعب. لقد حان الوقت للحسم والكشف بصراحة عن نتائج استمرار التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . لابد وان يدرك الجميع ان الامور لا يمكن ان تسير علي هذا المنوال الي ما لا نهاية فلا امكانيات البلد ولا ظروفه تسمح بتواصل هذا الانهيار الذي يتولد عن هذه السلوكيات العبثية التي يفتقد اصحابها للتقدير الصحيح . يجب ان يفهم الجميع ان لا خطأ في اللجوء الي اصلاح الاجواء والاجراءات السياسية لبدء العملية الديمقراطية وان الاعتراض الدائم علي كل شيء دون مراعاة للاوضاع الصعبة جدا التي يجتازها الوطن مغامرة غير محسوبة العواقب وتمييع لقضايا الوطن الاساسية وانكار للجدية المطلوبة لهذه المرحلة التي طالت بلا سبب مقنع . لا طائل من وراء هذه الاعتراضات المتواصلة عمال علي بطال سوي الاصرار علي اثارة الشارع المصري وتعطيل المسيرة الديمقراطية واعطاء الفرصة للتصاعد في معاناة الشعب والوطن. كم اتمني ان تؤخذ الامور بمزيد من الفهم والتقدير للحالة المزرية التي اصبحت عليها احوال هذا الوطن.. وان يدرك المجادلون اننا جميعا سوف نفقد كل شيء اذا ما استمر انحدار الوطن الي النفق المظلم الذي يهدد وجوده ومستقبله.