التجربة أفرزت صراعات و»تربيطات« لا تليق بالمجتمع الجامعي الدكتورمحمود كبيش العائد لكرسي العمادة بحقوق القاهرة منتخبا باغلبية ساحقة..هو حالة خاصة جدا. فباسم العدالة وسيادة القانون كان أول من ايدوا الثورة وخرج علي رأس اساتذة الكلية الي ميدان التحرير مرتدين روب القضاء ، وباسم العدالة والقانون ايضا عارض مطالب الثورة وكان اول من تزعم رفض اقالة القيادات الجامعية باعتبارها خرقا للشرعية مؤكدا انه لن يتردد في اللجوء للقضاء اذا تمت اقالته. هو ايضا يؤكد رفضه لفكرة اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب، لكنه في نفس الوقت أصر علي خوض التحدي وترشيح نفسه ليثبت للجميع ان القيادات الجامعية السابقة لم تكن كلها سيئة ومرفوضة من الزملاء، ورغم فوزه بأغلبية ساحقة الا انه يشعر بالحزن لما أظهرته الانتخابات من صراعات وتربيطات لا تليق بالمجتمع الجامعي. واخيرا يقول ان الثورة حققت انجازا رائعا حينما اسقطت النظام الحاكم، لكنه يتساءل في احد مقالاته : متي تقوم الثورة ؟ مؤكدا ان الثورة السياسية التي عشناها لم تواكبها ثورة فكرية واخلاقية للانسان المصري ولذلك ظهرت مساوئ كثيرة تهدد الانجاز الذي تحقق. في حواره للاخبار طرح د. محمود كبيش اراءه بكل صراحة حتي وان كان بعضها - كما يقول - يمكن ان يغضب البعض. ماهي مشاعرك بعد العودة لمنصبك كعميد ولكن منتخبا ؟ مزيج من السعادة والحزن، السعادة لانني اثبت للجميع انه ليس من حق أحد القول بأن كل القيادات الجامعية السابقة سيئة أو انهم عملاء للنظام السابق أو جاء بهم أمن الدولة، فهناك قيادات محبوبة وجديرة بمنصبها بالفعل، أما حزني فسببه ان الانتخابات تكشف وجوها سيئة لبعض الزملاء وتظهر أمورا لا تليق بالمجتمع الجامعي مثل الشللية والتربيطات بل والمؤامرات احيانا. رفضت الاستقالة ظللت لفترة طويلة ترفض تقديم استقالتك ثم بادرت بالاستقالة.. فما تفسير هذا الموقف ؟ رغم تأييدي للثورة منذ بدايتها ومشاركتي انا واساتذة الكلية للمتظاهرين في ميدان التحرير الا انني ارفض تماما كل ما يمس الشرعية والقانون، ولذلك كنت من البداية رافضا تماما لفكرة اقالة القيادات الجامعية، كنت كرجل قانون اراها اعتداء علي الشرعية وعلي القواعد العامة وخاصة لمن لم تنته مدتهم القانونية ، كنت أري أن الثورة جاءت اساسا لحماية الشرعية التي اهدرت في ظل النظام السابق فكيف لا نكون اكثر تمسكا بهذه الشرعية الآن، وقد بادرت باعلان هذه الاراء بكل صراحة في مقالات وبرامج بوسائل الاعلام المختلفة وقررت عدم تقديم استقالتي وقلت انه لو تمت اقالتي سأقيم دعوي امام القضاء انتصارا للشرعية، واعلنت كل ذلك رغم علمي بان هذه الاراء كانت تغضب الكثيرين من اصحاب الائتلافات العديدة التي نسبت نفسها للثورة، ولكنك في النهاية قدمت استقالتك؟ لم أفعلها الا حينما أعلن المسئولون انه لن يتم اجبار احد علي الاستقالة ممن لم تنته مدتهم، في هذه اللحظة فقط تقدمت باستقالتي لسببين : الاول انه لم يحدث انتهاك للشرعية، والثاني حتي لا يظن احد انني حريص علي هذا المنصب البائد. أمن الدولة ولماذا اعدت ترشيح نفسك رغم رفضك لفكرة انتخاب القيادات الجامعية ؟ رشحت نفسي لعدة اسباب اولها رغبتي في استكمال دور بدأته وحققت فيه خطوات تحتاج الي استكمال ثانيا انني اردت ان اثبت ان القيادات السابقة ليست كلها سيئة او غير مؤهلة او جاء بها امن الدولة وكلها عبارات مقيتة، فأمن الدولة لم يكن يختار قيادات وانما قد يتم استطلاع الجهات الرقابية فيمن تم اختياره بالفعل لمعرفة حقيقته. وحينما تم تعييني عميدا في اغسطس 2010 قلت هذا امام الجميع - في اول اجتماع لي بمجلس الكلية انني جئت لكم معينا لكني اؤمن انني استمد شرعيتي من قبولكم، فاذا شعرت ان الغالبية العظمي من اساتذتي وزملائي لا تؤيدني سأترك هذا الموقع فورا. بعد فوزك بنجاح ساحق هل لازلت ترفض فكرة انتخاب القيادات الجامعية ؟ نعم رغم نجاحي الكبير لازلت ارفض نظام الانتخابات بالنسبة للقيادات الجامعية لانها قد لا تأتي بالأفضل،ولانها كما قلت تظهر امورا سيئة بين الاساتذة وتخلق نوعا من الصدام والصراع والشقاق لا يليق بالوسط الجامعي الذي يمثل ارقي مستوي علمي وفكري. تربيطات ومؤامرات ولكن الانتخابات هي أبرز مظاهر الديمقراطية ؟ انتخابات الجامعات تختلف تماما عن الانتخابات البرلمانية، ففي الجامعات مطلوب رئيس او عميد يتولي ادارة شئون أشخاص، واختياره بالانتخاب قد يجعله يتسامح في تطبيق القواعد التي تحكم العمل وتنظمه إما لنيل رضا زملائه الذين أتوا به او لضمان اصواتهم في انتخابات قادمة، أما في الانتخابات البرلمانية فأنا أختار من يمثل ارادتي وليس من يقوم علي ادارة شئوني، وللأسف فقد اعتدنا حتي الآن أن تعتمد نظم الانتخابات لدينا علي التربيطات وأحيانا المؤامرات وكلها اعتبارات غير موضوعية لذلك اري- بالنسبة للجامعة - ان نظام تعيين قائم علي اعتبارات موضوعية تراعي العلم والكفاءة والاخلاق هو افضل مائة مرة من نظام انتخابات قائم علي اعتبارات ومصالح شخصية. مساوئ الانتخابات الانتخابات التي ترفضها هي التي اسفرت عن اختيارك.. فكيف تفسر ذلك ؟ كان دعمي من الله اولا، ثم دعمتني انجازاتي السابقة خلال فترة عمادتي القصيرة وكذلك حب الزملاء والاساتذة ومؤهلاتي العلمية، واعتقد انها كلها امور موضوعية تماما. وبالمناسبة انا لم اقم باي تربيطات خلال الانتخابات ويشهد علي ذلك جميع زملائي واساتذتي. وما هي اولي المهام التي تقوم بها بعد فوزك بالعمادة بالانتخاب ؟ اول شئ انني ساحاول ازالة الشقاق ورأب الصدع الذي حدث داخل الكلية بسبب الانتخابات واحاول ان اطوي سوءات هذه التجربة ، فالكلية لا تدار من خلال فرد بل من خلال مجلس او مجالس، ومن مصلحتي ومصلحة الكلية ان نتعاون جميعا ويسير العمل بطريقة منتظمة كما سأحرص علي اختيار وكلاء مقبولين من الاساتذة لتوفير اقصي قدر من التعاون بين الجميع. تأهيل الطلاب وماذا عن برنامجك لتطوير الكلية ؟ سأسعي لاجراء بعض التعديلات علي المناهج لازالة الحشو وصرف الطلاب عن المذكرات والملخصات ، وسأعمل علي ايجاد بعثات خارجية للطلاب واعادة استقدام الاستاذ الاجنبي ودعم سبل التعاون مع الجامعات الاجنبية ودعم فكرة الدرجة العلمية المشتركة مع جامعات عالمية، ودعم الانشطة الطلابية لتهيئة بيئة ملائمة لتنمية واعداد الطلاب سياسيا لسد الفراغ الكبير في الشباب المؤهل سياسيا، كما انني حريص جدا علي ان يكون للكلية بصمة في كل القضايا والتشريعات المطروحة علي الساحة، وقد بدأنا ذلك بالفعل من خلال الندوات والمؤتمرات التي عقدت بالكلية خلال الفترة السابقة حول قانون الغدر، وطرح استراتيجية لازالة الالغام وقانون زراعة الاعضاء. متي تقوم الثورة ؟! وبعيدا عن كلية الحقوق.. ما هو تقييمك لما وصلنا اليه بعد ثمانية شهور من الثورة ؟ انا في غاية القلق والخوف لعدم وجود رؤية واضحة للحاضر أو المستقبل، فالثورة قامت بانجاز رائع هو اسقاط النظام الحاكم لكنها بعد ذلك اظهرت أسوأ ما فينا، والسبب ان ثورتنا اختلفت عن كثير من الثورات التي غيرت مجتمعاتها للافضل، فالثورة الفرنسية مثلا سبقها تغيير في الفكر والأخلاق تزعمه الفلاسفة والادباء والعلماء وكان لابد ان يواكبه تغيير في النظام السياسي القائم مما مهد للثورة السياسية، اما نحن فأسقطنا النظام دون تغيير في الانسان ودون فكر واضح لدرجة انني كتبت مقالة عنوانها متي تقوم الثورة وكان قصدي متي يتغير الانسان المصري. المرحلة الانتقالية ومن ناحية اخري فأنا أزعم ان المرحلة الانتقالية التي نعيشها لم تتم ادارتها بالطريقة التي تؤدي للاصلاح والتي كان يجب أن تعتمد علي ثلاثة امور هي تسيير شئون الحياه اللازمة للمواطن والاهتمام بالامن الداخلي والخارجي ووضع لبنات اقامة مؤسسات الدولة في ظل النظام الجديد، ولكننا للاسف انشغلنا عن كل ذلك وتفرغنا لتصفية الحسابات والتدخل في شئون التعليم والقضاء، ولا اعرف مثلا كيف يمكن وضع قانون السلطة القضائية او التعليم في ظل مرحلة انتقالية، فضلا عن المطالب الفئوية التي استهلكت جهد القائمين علي هذه المرحلة، والاعلام وخاصة الفضائيات لعبت دورا خطيرا في اظهار كل هذه المساوئ واظهار ابطال وهميين لا يملكون من المؤهلات سوي قدرتهم علي سب النظام السابق. ويصمت د. محمود كبيش قائلا : أمام كل هذه المساوئ اشك كثيرا اننا سنخرج بسهولة من هذه المرحلة، فالمصالح الشخصية اصبحت هي الغالبة، وقليل الآن من يبحث عن مصلحة الوطن او المصلحة العامة ولكني اؤكد ان هذا الوطن ملك لأبنائه..وسيادة القانون هي اهم دعائم بنائه، فمن اراد تخريبا فهنيئا له ومن اراد اصلاحا فهنيئا له.