الي الذين يتحدثون عن فساد النظام المصري السابق والأنظمة العربية في دول "الربيع العربي" أقدم للقراء الكرام نموذجاً من فساد النظام العراقي الحالي لنتأكد جميعاً اننا أمة عربية فاسدة. فمعروف ان هناك أكثر من سبعين مليار دولار مفقودة من ميزانيات "إعادة الاعمار" ورصيد مذكرة النفط مقابل الغذاء والدواء وميزانيات الحكومة بعد 2003 وخزائن البنك المركزي وقصور الرئاسة السابقة ولا أحد يهتم. بينما إنقلبت الدنيا حين طلب رئيس الجمهورية العراقي الحالي مبلغ مليوني دولار لتغطية نفقات إيفاده الي الولاياتالمتحدة لحضور إجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة! ودخل علي الخط أحد أعضاء لجنة النزاهة في مجلس النواب فقال انه سيتم فتح تحقيق عاجل في مخصصات الإيفاد العالية التي يقبضها كبار مسئولي الدولة بسبب إصرارهم علي توفير أقصي قدر من الرفاهية لاضفاء المزيد من الفخامة والبذخ علي إطلالتهم البهية في المحافل الدولية. وطبعاً نحن لا نرضي ان ينزل "ضخامة" رئيس الجمهورية والوفد "المليوني" المرافق له في فنادق النجوم الثلاث أو الاربع ولا حتي فنادق النجوم الخمس العادية. فكما نعلم ان فنادق النجوم الخمس أنواع. ففنادق النجوم الخمس في بغداد والموصل والبصرة ليست أفخم من فنادق النجوم الثلاث في عواصم العالم الكبري. وأي نزيل فيها سيفاجأ بان الثلاجة لا تعمل والتلفزيون لا يسحب الا قناة "العراقية" الحكومية والمجاري مسدودة والشراشف البيضاء صار لونها "بيج" من كثرة الغسل والنشر تحت الشمس والسجاد ملوث بالمشروبات البريئة وغير البريئة والستارة في الصالة يستخدمها كثير من النزلاء لمسح أحذيتهم! ولم يعترض وزير المالية العراقي علي المليوني دولار اللذين طلبهما رئيس الجمهورية، فهو يعرف ان الدنيا غالية ويجب ان يظهر الوفد العراقي بأبهي صورة تليق بدولة تحتل المركز الثالث عالمياً في الفساد. فالرئيس العراقي يجب ان ينزل في أكبر وأفخم جناح ملكي في أرقي فنادق نيويورك مثلما يفعل ملوك وأمراء دول الخليج، بل وأحسن منهم، فلعل ذلك يكون سبباً في قبول إنضمام العراق الي مجلس التعاون الخليجي في المستقبل. ثم ان من عادة السلطان العراقي ان يقيم مآدب غداء وعشاء جماعية فهو حاتم الطائي علي حساب الشعب العراقي. ودعماً مني لمجلس النواب العراقي ولجنة نزاهته أمضيت وقتاً "ثميناً" في تصفح مواقع الانترنت لمعرفة مميزات فنادق نيويورك الفخمة وأسعارها. فوجدت ان أسعارها في الليلة الواحدة تتراوح بين ألف دولار في فندق "بنينسولا" في قلب مانهاتن الي سبعة آلاف دولار في فندق "والدورف استوريا" الذي أقام فيه الرئيس الامريكي باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في الاجتماعات الحالية. ولوحظ ان الوفدين المصري والفلسطيني نزلا في واحد من أرخص فنادق الخمس نجوم وهو فندق "ميلينوم"، وسعر الجناح فيه ثلاثة آلاف دولار. بينما نام رئيس وزراء تركيا الطيب اردوجان في غرفة متواضعة في فندق "بنينسولا" مقابل ألف دولار لليلة الواحدة. ونزل الرئيس الايراني أحمدي نجاد في فندق "وارويك" الذي إنتقدته الصحافة الامريكية لانه وافق علي استضافة نجاد! لكن بول كاكامي رئيس جمهورية رواندا الافريقية، وهي واحدة من أفقر الدول في العالم، أصّر علي الاقامة في جناح ملكي فخم في فندق "ماندرين اورينتال" وسعره في الليلة الواحدة 16 الف دولار! وأعتقد ان رئيس جمهورية العراق لا يقل مقاماً عن رئيس رواندا، وقد يفكر اذا لم يقم في جناح مجاور لاوباما ان يحل في واحد من أفخم الاجنحة في العالم في فندق "فور سيزونز" وسعر الليلة الواحدة فيه 41 الف دولار من غير الضرائب! وهذا الفندق يقع علي ارتفاع اثنين وخمسين طابقا فوق سطح مانهاتن، ويتضمن حماما من العقيق الصيني، مع حوض استحمام ضخم ومغسلة من الكريستال، فضلا عن مكتبة مزينة بالرسوم المطلية بالذهب، وبيانو كبير. فمن يدري لعل السيد الرئيس يستيقظ في منتصف الليل ويتحفنا بسمفوكية من أحسن السمفوكيات! أما غرفة الماكياج، فجدرانها مكسوة بأكملها بحجر عين النمر، فيما شلال صغير ينهمر في غرفة "التأمل"، وجلد العجل يغطي الجدران في غرفة تغيير الملابس! وأضف إلي ذلك كله أن جدرانه مطعمة باللؤلؤ والذهب والبلاتينيوم، بنوافذ يبلغ ارتفاعها 25 قدماً!! يعني قصرا يفوق أحلام قصور ألف ليلة وليلة. مع تحياتي الي ملايين اللاجئين العراقيين المشردين وآلاف العوائل العراقية التي تبيت تحت الجسور أو في المخيمات أو في بيوت الصفيح والكارتون في المقابر والمزابل.. وسامحك الله علي ما فعلت بالعراق يا صدام.