الإجابة نعم .. إلي حين إشعار آخر! نعم خذلتنا النخبة السياسية ، التي تطلعنا إليها بعد الثورة ، وكأنها طاقة النجاة التي أرسلها الله للشعب المصري كي تتوج كفاحه ، وتلبي نداء ثورته ، وتستنقذ همته! خذلتنا عندما خلعت ورقة التوت عن أفكارها ، وكشفت عن خداعها ، وأطماعها، ورغبتها في اختزالها أحلام الوطن في شعاراتها الزائفة ! ولم يكن أبدا شباب الثورة الذي فجر إرادتها وقدم روحه فداء لها يتخيل أن تقوم النخبة السياسية باختطاف ثورته ، وبالالتفاف حول أهدافه ، وبسلب أحلامه ! لم يتخيل شباب الثورة وهو يضع ثقته في هذه النخبة أملا في أن تأخذ بيده نحو آفاق العمل السياسي الجاد .. لم يتخيل أن تتخلي عنه هذه النخبة وأن تختصر رؤيته الثورية بعزله وحرمانه من حقه الطبيعي في تقلد دوره الطبيعي في مقدمة الصفوف لتحقيق ثورته وتفعيل أهدافه! لم يكن يتخيل الشباب الثوري أن يزيحه شيوخ الأحزاب الورقية من ساحة العمل السياسي ، بعد أن تنصلوا - بصنعة لطافة - من ماضيهم الأجوف، ونسبوا الثورة لأنفسهم ، وتلذذوا بكسر أضلع شبابها ، ونبش قبور شهدائها ! لم يكن الشباب الثوري ولا الشعب المصري يتصور أنّ حمل النُخب علي الأعناق ، إنما كان ناتجه ليّ هذه الأعناق ، وأن تعظيم قواهم كان يعني في المقابل كسر إرادة الثورة ، وأن رفعهم للقمة سيقود هذه النخبة إلي إلقائهم هم وكُل أبناء الشعب إلي القاع ! هكذا اتضحت صورتهم أمامنا دون خجل وبعلانية كاملة ، وشفافية فاضحة كشفتها شاشات الفضائيات ، وهي تنقل علي الهواء مباشرة لنا نحن أبناء الشعب تفاصيل موائد الكلام ، وتفاصيل التهام لحم الوطن ، وتفاصيل إلقاء بقاياه علي قارعة طريق خيبة الأمل ! نعم .. خذلتنا النخبة ونحن نتابعها وقد اتخذت مجلسها في برامج التوك شو .. بعد أن أطلقوا لهم البخور .. ورشوا لهم ماء الورد علي أبواب الاستوديوهات ، وجملوا لهم الوجوه ، وأبدعوا لهم الماكياج الدافئ المزيف، فسحروا النفوس ، وأسروا القلوب وخدّروا الحس الصادق وحبسونا في حالة بيات ثوري حتي سرقوا الحُلم وأضاعوا علينا حق الثورة ! لقد خانتنا النخبة ، بعد أن تشرذمت حول ذاتيتها ، وأنانيتها ، وبعد أن ضللتها شهوة الغرور ، وبدلا من أن تتدافع علي نصرة الأمة وتجميع شتاتها ، تدافعت علي مائدة التهام كعكة الوطن ! وها هي ذي مصر تبكي حُلمها ، وتتخبطُ في حيرة شبابها الثوار ، وتندُب حظها العاثر في خيرة رجالها أو من كانت تحسبهم كذلك وتبكي شهدائها ممن خضبوا الأرض الطاهرة بدمائهم الزكية ، وتدفن جُرحها العميق الذي غرسه فيها رجالها ممن ولًدت وحملت وربت ! ولعل من حق مصر اليوم أن تتساءل ألا تستحق بعد كُل هذا البذل والعطاء أن تنال تكريما وتعظيما .. بدلا من أن تلقي منهم عقوقا سيحاسبهم الله عليه حسابا عسيرا ! مسك الكلام .. أقول للنُخبة .. أُكلتم كما أُكل الثور الأبيض !