مشغولون نحن بالجدل حول عودة الخلافة أكثر من عودة الدراسة، وبمعارك »الا لتراس«، أكثر من معارك رغيف الخبز، وباقتسام مقاعد البرلمان الذي مازال في علم الغيب أكثر من اقتسام الأعباء المطلوبة لنعبر بالوطن من منطقة الخطر، وبتوزيع اتهامات التخوين والتكفير بدلا من توزيع ما يكفي لتوفير لقمة العيش وكوب اللبن أو الماء النظيف علي فقراء الوطن!! والنتيجة أن الاحتجاجات الفئوية تتصاعد يوما بعد يوم، والارتباك الحكومي في التعامل معها أصبح سياسة ثابتة، والمناخ ينذر بالمخاطر التي أرجو ألا نستهين بها وأن نتعامل معها بكل جدية قبل أن نصل إلي نقطة انفجار لا يعلم إلا الله عواقبه. صحيح أننا ورثنا عن النظام البائد أوضاعا بالغة السوء وصحيح أن الظلم الاجتماعي كان قد بلغ مداه ليدفع بنصف المصريين إلي جحيم الفقر المدقع، بينما العصابة التي تحكم مصر وتنهب ثرواتها تستحوذ علي كل شيء. وصحيح أن الأوضاع ساءت بعد الثورة بسبب غياب الأمن وبلطجة اللصوص والفلول ومثيري الفتنة الطائفية، وبسبب ضرب السياحة وتراجع الإنتاج وتردد المستثمرين. كان هذا صحيح.. ولكن ماذا فلعنا في مواجهة ذلك؟ لم نفعل الكثير للأسف الشديد، فقد أدرنا الأمور بمنطق نسير الأعمال واكتفينا بحكاية »ندير ولا نحكم«.. فكانت النتيجة أن بقيت المشاكل الرئيسية بلا حل، وبقينا بلا رؤية شاملة تطمئن الناس أننا علي الطريق الصحيح. كان المفروض أن نحسم الأمور منذ اليوم الأول في اتجاه تغيير السياسات التي أفقرت الناس، وأن نصارح المواطن بالحقائق كاملة، وأن نعطي الإشارات الصحيحة بأن العدالة ستتحقق وأن أوضاع الفقراء ومحدودي الدخل ستتحسن وفق برنامج شامل يعيد الحقوق لأصحابها. لكننا لم نفعل، واكتفينا بالتعامل مع المشاكل بالقطاعي، وتركنا الناس تفهم خطأ أم صوابا أن الحل هو الاحتجاجات الفئوية التي كادت أن تصل بنا الآن إلي منطقة الخطر. وقد يكون بعض الاحتجاجات مفتعلا، وبعض المطالب بلا حق، وقد تكون القوي المضادة للثورة تلعب وتتآمر.. ولكن علينا أن نعترف بأن هناك أخطاء وأن هناك مشكلة، وهناك حكومة غائبة إلا قليلا، وأحزابا بعيدة عن هموم الناس، وهناك ملايين تبحث عن لقمة العيش بصعوبة ولا يهمها من يسيطر علي »صينية« ميدان التحرير، ولا ما هي مواصفات المايوه الشرعي!!