لم يكن حازم صلاح أبو إسماعيل يهرِّج عندما قال »وإيه يعني لما يموت 10 آلاف في سبيل مشروعنا، مصر فيها 90 مليون، وإيه يعني 10 آلاف»، ولم يكن المعزول محمد مرسي يداعب عندما قال »مفيش مانع إحنا نضحي بشوية عشان الباقي يعيش»، ولم يكن طارق الزمر يهدد فقط حين قال »سنطهر أوطاننا الإسلامية من دنس الروافض وعبدة الوثن، وسوف نحول جثامينهم النجسة إلي غذاء شهي للكلاب والحيوانات المفترسة، أكلة الجيفة ولحوم الخنازير». كان كلاماً حقيقياً وجاداً، و»قيد التنفيذ» حال تمكنهم من الحكم، فعقيدة الإرهاب في العالم حولنا، تنطلق من »مشروعنا رهن بقتل الآخرين». في أفغانستان - مثلاً - قلعة الإرهاب في العالم، يحصد القتل أرواح الآلاف، بدرجة يصعب معها حصر أعدادهم، وتندلع المعارك التي تقودها حركة »طالبان» في سائر المدن، للسيطرة علي نقاط التفتيش الأمنية والقواعد العسكرية التابعة للقوات الحكومية، حرب بلا نهاية وسلام لا يجيء، ومفاوضات تجمع »الحكومة» و»طالبان» في غرفة واحدة. في موسكو، يتفاوض خمسة من طالبان من المقيمين في قطر، برئاسة حاجي عباس، مع الدول الراعية لصيغة موسكو، وتمثيل ضعيف للحكومة الأفغانية، ليس لتقسيم السلطة والغنائم، وإنما للاتفاق علي زمان ومكان »بدء حوار»، وإطلاق مفاوضات السلام، وتتعثر البداية، علي طلقات المدافع والتفجيرات وسقوط القتلي. وفي نيجيريا، بلغت الحصيلة 20 ألف قتيل و2.5 مليون نازح، و11 مليوناً يحتاجون مساعدات إنسانية.. واشتدت شوكة »بوكو حرام»، بعد أن نجحت في إقامة شبكة قوية من العلاقات، مع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، وحصلوا علي كميات هائلة من الأسلحة من ليبيا، عبر دول الجوار النيجر وتشاد. داء الإرهاب أشد قسوة من الفقر والتصحر والإيدز وغيرها من الأمراض التي ابتليت بها القارة السمراء، فزادت معاناة دولة فقيرة مثل الصومال، كانت من بدايات الدول التي سيطرت عليها الجماعات الإرهابية المسلحة، ورغم الفقر والمجاعة، إلا أن الإرهابيين يفضلون السيارات المفخخة في عملياتهم الإجرامية، التي تستهدف الفنادق والأسواق والمساجد والأماكن المزدحمة، بهدف إسقاط أكبر عدد من القتلي. الموقف بالغ السوء في سوريا وليبيا والعراق واليمن، واقتحم الوباء عديدا من البلدان الأفريقية، وأصبحت الجماعات الإرهابية المسلحة صاحبة سطوة ونفوذاً، وشريعتهم هي »مشروعنا رهن بقتل الآخرين». كانوا يخططون لمصر المضطربة، الواقعة في أتون الفتن والنزاعات والحرب الأهلية، وهم متأكدون أن الدماء تؤدي لمزيد من الدماء، وحاولوا تدشين الضحايا بعبارة »من أجل أن نعيش لابد من ضحايا»، و»الضحايا» هم المواطنون العاديون، أبناء الشعب والبسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، أما »المؤمنون»، الذين سيهبون لهم الحياة، فهم أهلهم وعشيرتهم وجماعتهم ومن معهم.. أو بعبارة وجيزة الحياة ل »الجماعة» والموت ل »الرويبضة».. ومعناها الرجل التافه الذي يتكلم في أمر العامة. المصريون رفضوا ذلك، وواجهوا مشروعاً فاشياً إقصائياً، يفتح الجراح ويستحضر الفتن ويمزق النسيج الوطني، ويضعهم وجهاً لوجه وكأنهم أعداء، وليسوا أبناء وطن واحد، يدافعون عن ترابه بدمائهم وأرواحهم، ضد أعدائه الحقيقيين، وليس ضد بعضهم البعض، ابتغاء للقفز علي السلطة، وأن يكونوا أوصياء علي البلاد والعباد. المصريون اختاروا شرعية الوطن »الباقية»، وداسوا شرعية الجماعة »المزيفة»، وأصبح طريقهم الآمن إلي المستقبل هو درء المخاطر، والاحتماء بمظلة الدولة الوطنية، التي تحقق العدل والمساواة لكل أبنائها، ولا تفرق بينهم بسبب الدين أو الجنس أو العرق.