كلما مر الوقت تزداد الامور تعقيدا علي الساحة السورية بما ينذر بحالة من الضياع التي لا نهاية لها. لابد من تحرك ايجابي للخروج من هذا المأزق الذي تحول إلي حمامات دم تهدد تداعياتها الوطن السوري وحياة العشرات بل المئات من ابنائه كل يوم بل كل ساعة. ليس من سبيل امام تصاعد ثورة الشعب السوري وازدياد عناد النظام الحاكم سوي اعمال العقل والاجتماع علي كلمة سواء لتحقيق عملية انتشال هذا البلد العربي قبل ان يغرق ويواجه الفوضي والمصير المجهول. ان من حق الشعب السوري وبعد سنوات طويلة من الحكم الديكتاتوري العائلي ان يتطلع إلي التغيير والاصلاح بما يحقق آماله في الحرية والديمقراطية. ولكن من الضروري ايضا ان يضع العقلاء في هذا البلد العربي الصالح الوطني والامن القومي في الاعتبار من خلال تعاملهم مع الازمة. في هذا الإطار لابد ان يتحرك كلا الطرفين ناحية البحث عن تسوية توقف سيل الدماء.. لابد ان يدرك الجميع ان طريق العنف والعنف المضاد لا يمكن أن تكون له نهاية وهو ما يعكس خطرا جسيما علي المستقبل. من ناحية اخري فإن علي جميع الاطراف ان يدركوا ان تدويل القضية بالتدخل الخارجي له انعكاسات غير مأمونة. كم أرجو ان تكون المبادرة التي تتبناها الجامعة العربية والتي حملها الدكتور نبيل العربي أمينها العام إلي دمشق بداية لهذا التحرك. آمل أن يتمكن العرب من القيام بدور في التقريب بين الثوار وبين النظام الحاكم. ان هذه الخطوة تمثل الامل الوحيد لانقاذ ما يمكن انقاذه. ان اهم ما يجب ان تركز عليه هذه الجهود هو ازالة حالة التوتر والاحتقان.. وما يترتب علي ذلك من ضرورة تقدير سليم للمصلحة السورية. ليس خافيا ان هناك قوي تعمل من اجل صب الزيت علي النار سعيا إلي تدمير سوريا لتلحق بطابور جرحي الاوطان العربية. ليس جديدا القول بأن النظام الحاكم في سوريا قد تأخر طويلا في عملية الإصلاح السياسي وهو ما ادي إلي نفاد الصبر وضجر الشعب السوري، زاد من مشاعر عصبية الشعب التصدي لاخماد صوته باستخدام العنف . من ناحية اخري فإن فرنسا تأتي في مقدمة الدول التي تمارس الضغوط من أجل اثارة المشاعر داخل سوريا اسوة بالدور الذي قامت به في ليبيا. بالطبع فإن تدخلات النظام السوري الحاكم في لبنان وعدم الاستعداد للاعتراف باستقلالية هذه الدولة العربية يعد عاملا مشجعا لفرنسا لتصفية الحسابات. كما يدخل ضمن مبررات التدخلات المريبة ايضا تلك العلاقات التي تربط دمشق وطهران وعدم رضاء الغرب عنها. في نفس الوقت فانه لا يمكن تبرئة اسرائيل من كل هذا الذي يحدث وان كانت في قرارة نفسها لا ترحب بثورة الشعب السوري خشية ما قد يرتبط بذلك من تغيير يمكن ان يؤثر علي السياسات السورية المستقرة تجاهها. ان ما يجري علي الارض السورية هو كارثة بكل المقاييس وانها في مجملها جزء من المحنة التي يمر بها العالم العربي ويهدد كيانه ووحدته. ان فرصة العالم العربي في مواجهة هذه الاوضاع يتطلب حلولا ذاتية بعيدا عن التدخلات الخارجية وهو الامر الذي يجعلنا ندعو لانجاح مبادرة الجامعة العربية .