صار الامن المفقود لغزا محيرا يستعصي علي الفهم! فرغم مرور اكثر من ستة اشهر علي اندلاع ثورة 52 يناير وما صاحبها من انفلات امني، فاننا لم نستعد بعد الامن المفقود.. وتبددت كل الوعود التي قدمت لنا بعودة الامن.. صحيح عاد رجال الشرطة للتواجد في الشوارع والميادين، لكن عودتهم لم تصاحبها عودة الامن للمجتمع. حتي الان مازال البلطجية يروعون الشعب في شتي انحاء المحروسة.. اعتداءات متنوعة.. وسرقة ونهب.. وقطع طرق.. بل وايضا حوادث قتل واغتيالات.. واقتحام لاقسام الشرطة ومواقع حكومية. سكن الخوف من البلطجية واللصوص القتلة في قلوب الكبار والصغار.. الرجال والنساء.. المسلمين والمسيحيين.. العاملين والمستثمرين.. لا يمر يوم الان بدون ان نسمع او نقرأ عن عدة حوادث سرقة بالاكراه واغتصاب او قطع طرق او اقتحام منشآت.. معدل الحوادث لايقل، بل ربما يتزايد.. حتي في شهر رمضان الذي تحبس فيه الشياطين، فان البلطجية كانو يمرحون هنا وهناك يعيثون فسادا في ارض المحروسة.. يطاردون الآمنين، ويفزعون المسالمين، ويحرضون المواطنين العاديين علي استخدام العنف لحماية انفسهم وللانتقام من البلطجية، بعد ان يئسوا في ان تحميهم الشرطة او ينتقم لهم القانون ممن اعتدوا عليهم او سرقوهم او أهانوهم. ولقد اصابنا الملل من كثرة ما سمعناه من تفسيرات، والتي يراها البعض تبريرات، لغياب الامن وانتشار البلطجة والعنف في المجتمع، وهي التفسيرات التي تري ان رجال الشرطة خائفون من ممارسة ادواتهم لضبط الامن في المجتمع ومواجهة البلطجية والخارجين عن القانون، خشية ان يتعرضوا لذات المسير الذي يواجهه الان بعض منهم، يحاكمون لانهم افرطوا في استخدام العنف ضد المواطنين.. ولذلك اكتفي رجال الشرطة بالتواجد في اماكن عملهم فقط دون ممارسة عملهم، اللهم الا في حالات استثنائية استدعت من وزير الداخلية ان يكرم من ادوا عملهم في تأمين من استغاثوا بهم من المواطنين لانقاذهم من ايدي بلطجية. فلا يكفي أن نردد مثل هذا التفسير، حتي ولو كان حقيقيا، ولانفعل شيئا لتغيير هذا الوضع الذي يعوق عودة رجال الشرطة للعمل بهمة ونشاط لكي ينعم المجتمع بالامن.. مثلما لا يكفي ان تعتبر الحكومة انها ادت ما عليها باعلانها ان من حق رجال الشرطة استخدام السلاح في مواجهة البلطجية والخارجين عن القانون، ناهيك بالطبع عن الدفاع عن النفس. فالامن المفقود هو السبب الرئيسي للمشاكل الاقتصادية التي نعاني منها.. ولا يوجد اقتصادي واحد في البلاد يتوقع عودة المستثمرين سواء الاجانب او المصريين للعمل بنشاط في البلاد، الا بعد عودة الامن.. وهذا ما سمعه د. عصام شرف شخصيا في زيارته الخارجية خاصة العربية ولقاءاته مع المستثمرين في الداخل وبالتالي لم يعد مستساغا ان نردد هذا التفسير الشائع لعدم استعادة الامن، والذي يتحدث عن خوف رجال الشرطة من ممارسة عملهم، دون ان نفعل شيئا ملموسا وواضحا ومؤثرا لازالة هذا الخوف او للتخلص من رجال الشرطة الذين لا امل في انقاذهم من خوفهم هذا!. ويجب ان نتنبه الي ان استمرار افتقادنا للامن علي هذا النحو المثير للقلق ساعد علي ترويج مقولة أن ذلك مقصود ومدبر من قبل من بيده الامر الان لتبرير تأخير تسليم الحكم الي سلطة يرتضيها الشعب من خلال انتخابات حرة ونظيفة. ان كثيرين يتحدثون الان عن ان هؤلاء البلطجية الذين قدر وزير العدل اعدادهم بما يتراوح بين 003 الف ونصف مليون معروفون رجال الشرطة ومرصودون لهم، وليس صعبا عليهم الوصول اليهم والامساك بهم واعادتهم الي السجون.. ولذلك فان تركهم هكذا لا يعني لدي هؤلاء سوي ان الشرطة تتركهم عمدا يعيثون فسادا وينشرون الخوف والفزع في المجتمع. وكثيرون ايضا يخشون تحديدا هؤلاء البلطجية ايام الانتخابات البرلمانية التي اقترب موعدها.. ولا يتصورن ان نجري انتخابات نظيفة في ظل عنف متوقع ما دام هؤلاء البلطجية طلقاء، وما دام الامن مفقودا في المجتمع بل ان نذر العنف الذي نخشاه اثناء الانتخابات بدأت تظهر بوضوح في الصعيد الان. ولذلك.. حتي تدرأ الحكومة ومعها الشرطة، عن نفسها الشبهات وتؤكد للجميع، خاصة هواة ترديد الشائعات ان استمرار البلطجية امر مدبر لاغراق سياسية، فان عليها ان تجعل مهمتها الاولي الان هي استعادة هذا الامن المفقود.. فكل المهام الاخري لهذه الحكومة الانتقالية ومعها المجلس الاعلي للقوات المسلحة مرهون تحقيقها باستعادة الامن اولا، ابتداء من محاصرة المشاكل الاقتصادية وانتهاء بتسليم السلطة بشكل سلمي. اذا كان الامر يقتضي وزيرا جديدا للداخلية فلتسرع الحكومة باختياره.. واذا كان الامر يقتضي باستعادة الشرطة امكانياتها المادية التي فقدتها خلال الاحداث التي صاحبت الثورة مثل حرق مراكز الشرطة وتدمير عربات وآليات لها وسرقة اسلحة منها، فلتسرع الحكومة بتوفير كل ما يحتاجه جهاز الشرطة من امكانيات.. وايضا اذا كانت المشكلة عدم انصياع عدد من رجال الشرطة للاوامر وعدم القيام بعملهم، فليتم فورا ابعادهم واختيار قيادات جديدة في المواقع المختلفة. المهم وفورا يجب ان نستعيد الامن الذي نفتقده.. ويجب ان نتصدي بحزم لكل اعمال البلطجة والعنف التي انتشرت في المجتمع.. ففي ظل الامن سوف نظفر بالانتخابات النظيفة التي ننشدها.. وسوف يطمئن المستثمرون ويعودون لاستثمار اموالهم لنبدأ في حل مشاكلنا الاقتصادية.. وسننعم بالديمقراطية التي نحلم بها.