يعود من المدرسة مسكونا بالحزن.. مطأطئ الرأس.. تشي كل ملامح وجهه بكل ما تعانيه النفس من قهر وهزيمة وانكسار.. يرفض البوح ويفرض سياجا من العزلة. لا تفلح محاولات مضنية لإخراجه من تلك الشرنقة التي أحاط بها روحه.. وربما تأتي ردود فعله العنيفة والصادمة لتدفعك للتراجع وتزيد إحساسك بالعجز عن مساعدته ومد له طوق النجاة لانتشاله من تلك الحالة.. يزداد اكتئابه.. انطواؤه.. عزلته.. شعوره بالضعف وعدم الثقة. يوهن جسده فيصبح فريسة سهلة للأمراض . يتفاقم الضغط النفسي فتزداد حدة اكتئابه للحد الذي يدفعه للتفكير في الانتحار .. هذا بالضبط هو حال ضحية التنمر .. تلك الحالة التي باتت تتحول لظاهرة انتشرت للأسف بشكل كبير في مدارسنا .. والتنمر كما يعرفه الباحث النرويجي دان أولويس المؤسس لأبحاث التنمر "تعرض شخص بشكل متكرر وعلي مدار الوقت إلي أفعال سلبية من جانب شخص أو مجموعة أشخاص منها المباشر كالضرب. الصفع.. الركل.. النغز.. الخنق.. شد الشعر.. الخدش والعض والطعن ومنها غير المباشر كالتنابز بالألقاب.. السب.. الاستهزاء والسخرية.. التهديد.. نشر الشائعات حوله.. نقده.. عزله ورفض الاختلاط به.. وغيرها من أشكال الإهانة و الإساءة التي تشكل ضغطا نفسيا رهيبا علي ضحية التنمر فتدفعه للعزلة والانطواء والاكتئاب وربما للانتحار كما حدث للمراهقة الأسترالية دوللي إيفريت التي تعرضت للتنمر بشكل قاسٍ من قبل زميلاتها لم تقو علي تحمله فدفعت حياتها ثمنا للتخلص منه.. نهاية مأساوية تترجمها كلمات الأب المرثية لابنته التي دعا فيها زميلات ابنته اللاتي مارسن التنمر ضدها بحضور جنازتها "من أجل رؤية حجم الدمار الذي تسببوا فيه ".. ربما لا يدرك الأب المكلوم ولا يدركه أي أب أو أم لضحية تنمر أن الطفل الذي مارس التنمر ضد فلذة كبدهم هو الآخر ضحية تعرض للتنمر إما من قبل والديه في المنزل أو من طفل آخر له في المدرسة خلقت منه تلك الشخصية المتنمرة المستبدة العنيفة سريعة الغضب.