»أنا أو الفقر » هكذا خير الرئيس الامريكي دونالد ترامب الشعب الأمريكي بعد الكشف عن تورط محاميه السابق مايكل كوهين في قضية فساد متوعدا بانهيار أسواق المال في العالم إذا تم عزله من منصبه. وأخذ الرئيس الأمريكي يتحدث عن انجازاته التي حققها وأنعش بها الاقتصاد الأمريكي وانكر ان يفكر الامريكيون في عزله وهو من قام »بعمل رائع» علي حد قوله والذي يري أنه إذا رحل ستحدث ثورة شعبية. ولكنه نسي أن الاقتصاد لا يصلح ما أفسدته السياسة. »أعمال ترامب الرائعة» لم تمنع المدعي الخاص روبرت مولر من إستكمال تحقيقاته حول تواطؤ حملة ترامب الانتخابية مع روسيا وتأثير ذلك علي نتيجة الانتخابات ، وأخذت الفضائح تتوالي بسقوط كل الدائرة المقربة من الرئيس واحد تلو الآخر كان آخرها إدانة محاميه كوهين ومدير حملته السابق بول مانفورت باتهامات التهرب الضريبي والاحتيال المصرفي والتعامل مع شخصيات أجنبية خلال الحملة الانتخابية. وأعطي مولر الحصانة لألين فايسلبيرج المدير المالي لمؤسسة ترامب كي يدلي بشهادته حول دفع أموال من ميزانية حملة ترامب لكل من الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز والعارضة كارين ماكدوجال واللتين زعمتا أنهما كانتا علي علاقة بترامب. كذلك منح مولر الحصانة لمديرين تحرير في صحيفة ناشيونال إنكواير التي نشرت الفضيحة ومنهم ديفيد بيكر صديق قديم لترامب والذي كان متورطا في دفع المال لقاء سكوت السيدتين. بينما واصل ترامب هجومه علي وزير العدل جيف سيشنز وهدد بعزله لأنه لم يسيطر علي وزارته وفي الوقت الذي يستعد الديمقراطيون لهزيمة الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ستكون أولي مطالباتهم في حالة حصولهم علي الأغلبية هي عزل ترامب الذي وصل للبيت الأبيض بطريقة غير نزيهة. ولم يعد امام ترامب سوي ثلاثة اختيارات هي: التعاون مع مولر حيث أصر الرئيس الأمريكي مرات عديدة علي أنه لم يرتكب أي جرم، محاولا بذلك تعطيل وتأخير التحقيق وهذه استراتيجية سيئة إذا كان فعلًا لا يوجد لدي ترامب ما يخفيه وعلي ترامب تبني سياسة التعاون مع مولر في التحقيق. وسيتطلب القيام بذلك تخليه عن دعمه لمحاميه ومستشاره السابق وتبرير ذلك بأنه يحارب الفساد. ولكن هل يقبل مولر رضوخ ترامب بعد أشهر من الهجوم عليه ؟ وهل سينجو نجله دونالد ترامب جونيور أو غيره من أفراد العائلة ؟ الخيار الثاني ان يعتمد الرئيس علي سياسة كسب الوقت حتي تمر انتخابات التجديد النصفي التي ستجري في السادس من نوفمبر ويحقق الحزب الجمهوري الفوز بالأغلبية عبر إقناع الناخبين أن مولر مدفوع سياسيا من الديمقراطين للنيل منه. لو تمكن ترامب أو أحد أفراد عائلته من ترك القضية عالقة في المحكمة علي خلفية مسائل دستورية، فسيستغرق حل المسألة نحو عامين أي حتي انتهاء مدة ولاية ترامب. أما الخيار الأخير فهو عزل مولر ويمكن للرئيس الأمريكي إقالة المدعي الخاص روبرت مولر وإلغاء التحقيق، وهو أمر كثيرا ما هدّد به ترامب، ولكن لم ينفذه بناء علي تحذيرات النواب من أن ذلك قد يتسبب بعزله. وإن كان الرئيس يلعب الآن بورقة الاقتصاد ومؤشرات البورصة المستقرة منذ أكثر من عام، فإن التحقيقات القضائية تضيق عليه الخناق أكثر. ويبدو وحيدا أكثر بعد سقوط مستشاريه الذين لم ينجو من هجومه المتواصل عليهم عبر حسابه علي تويتر. كما لم تسلم الصحافة من انتقاداته حتي انه وصفها بأنها »عدوة الشعب». وفي فضيحة أخري ذكرت شبكة السي إن إن أنها حصلت علي وثائق لاتفاق تم بين أحدي شركات الاعلام مع بواب سابق ببرج ترامب العالمي للحديث عن علاقة غير شرعية بين الرئيس الأمريكي ومديرة منزل سابقة أدت لإنجاب طفل غير شرعي. ولكن هل يسامح الأمريكيون ترامب حتي بعد تأكدهم من فساده؟ يبدو أن الأجابة علي هذا السؤال ستكون سهلة فالشعب منشغل الآن بقراءة كتاب »المعتوه» الذي ألفته أوماروسا نيومان المساعدة السابقة في البيت الأبيض، عن تفاصيل تجربتها أثناء عملها لمدة عام مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي تخطت مبيعاته 33 ألف نسخة في أول أسبوع من إصداره واحتل المركز الثاني في قائمة أعلي الكتب مبيعا في الولاياتالمتحدة. حيث تتهم ترامب بالعنصرية وكره السود وأقليات أخري. وكانت أوماروسا مستشاره لشؤون الأمريكيين من أصول أفريقية لحملة ترامب الانتخابية عام 2016، وتولت منصب مستشارة في البيت الأبيض بعد فوزه قبل عزلها من منصبها في البيت الأبيض في ديسمبر الماضي. وبعيدا عما يحدث في الداخل الامريكي فإن علاقاته الخارجية تبدو أثر مأساوية وأشد اشتعالا فقد خلق الرجل لنفسه عزلة دولية عبر إلغائه للإتفاقيات وعلي رأسها الاتفاق النووي الإيراني واتفاقيات التجارة الحرة وتهديده للحلفاء قبل الأعداء بزيادة الرسوم الجمركية وفرض عقوبات إقتصادية علي روسيا وإيران وتركيا وإستعداء الصين. وإن كان الرئيس يروج لإنتصارات سياسية في ملف كوريا الشمالية فالأيام تثبت أنه لم يحقق شيئا يذكر من مباحثاته الغامضة مع كيم فلم يتوقف البرنامج النووي الكوري الشمالي ولم ترفع العقوبات عن كوريا بعد. ويمكن القول أن الملف الوحيد الذي أبلي فيه الرئيس بلاء حسنا هو علاقته مع إسرائيل التي أهداها مدينة القدس التي لا يملكها ويواصل إبتزازه للفلسطينيين للقبول بصفقة القرن المشبوهة عبر تجويعهم وتقليص المساعدات الأمريكية والتهديد بإغلاق الأونروا.