عام مضي علي جولة »الأخبار» في منطقة »الشيخ» بالمحلة الكبري لرصد أحوال مصانع وورش النسيج وأصحابها مع الصناعة ومشكلاتها والتحديات التي تواجه أعمالهم.. وفي جولتنا الحالية الوضع تغير بالفعل لكن إلي الأسوأ.. ولم يتبق في المنطقة سوي عدد لا يذكر من المصانع التي ما زالت تعافر للبقاء بعدد قليل من ماكينات النسيج.. العمال وأصحاب المصانع تذكرونا جيدا وقالوا: ما فائدة الكلام العيش يضيق وأرزاقنا باتت مهددة.. مصانع وورش خاوية علي عروشها وأخري مهدمة وثالثة مغلقة لحين إشعار آخر.. عمالة تم تسريحها وأخري هربت إلي التوك توك وبعضهم استسهل التسول والباقي ينتظر فرجا. حذرت »الأخبار» قبل نحو عام وعرضت آلام أصحاب مصانع النسيج بالمحلة وغيرها في ملف شامل تضمن تدهور الحال وأبرز المشكلات والحلول، وربما نفس الأمر نرصده في الوقت الراهن باستثناء زيادة الأعباء والمعاناة بشكل أكبر.. علي امتداد أشهر منطقة مصانع النسيج -منطقة الشيخ- بالمحلة، عانينا لرصد مصنع واحد يعمل، وفي النهاية رصدنا 4 مصانع فقط من إجمالي نحو 200 مصنع أغلقت وهجر أغلبيتها وبيعت ماكيناتها قطع غيار وخردة.. يأس وإحباط محمد إبراهيم، صاحب مصنع، تحدث إلينا وربما اليأس والإحباط كانا يمتلكانه إلي حد الإنفجار، قال ل»الأخبار»: كانت قوة مصنعي نحو 12 عاملا مباشرا علي أربع ماكينات والطلبيات لم تكن تتوقف ساعة بل وكنا نضع عملاء علي قائمة انتظار، الوضع تغير تماما وخاصة بعد تحرير سعر الصرف والتعويم وتوقفت ماكينة تلو الأخري حتي لم يتبق في مصنعي سوي ماكينة واحدة يعمل عليها أبنائي فقط.. وأضاف: سرحنا العمالة فقد تراكمت المديونيات ولم نعد قادرين علي دفع مرتبات، أسعار الغزول تضاعفت وكذلك الخدمات والكهرباء والضرائب دون تدخل من أي جهة تحمينا من تأثيرات الإصلاح الاقتصادي، العمالة لدينا رأت الوضع والتراجع الكبير في عمليات التشغيل وعدم القدرة علي زيادة المرتبات لمواجهة اعباء الحياة فلجأت للبحث عن المكسب السريع وهربت للتوك توك وبعضهم لجأ للتسول. أسعار الغزول أما حسام إبراهيم، صاحب مصنع، فقال: 5 مصانع فقط تعمل في منطقتنا، من إجمالي 72 مصنعا كانت تعمل منذ عام، أغلقت هربا من الارتفاعات المستمرة في أسعار الغزول التي قفزت من 9 إلي 30 جنيها في كيلو الغزل، فضلا عن الكهرباء والغاز والمياه وندخل في شرائح مختلفة للضرائب سنويا، وأضاف: أصحاب المصانع باعوا ماكيناتهم خردة وقطع غيار بعد إدراكهم عدم وجود النية لدعم صناعة الغزل والنسيج في مصر وتركها فريسة سهلة للمنتج القادم من تركيا والصين وغيرها من الدول، ونواجه منافسة غير عادلة في السوق المحلي فالمنتج المستورد غير محمل بالأعباء التي نتحملها. 480 مصنعا المهندس أحمد أبو عمو، رئيس رابطة أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبري، أن عام 2016 شهد وحده إغلاق 480 مصنعا، وأشار إلي أن إجمالي المصانع المسجلة بالرابطة نحو 1200 مصنع، لكن هناك أكثر من 5000 مصنع بير سلم وكلها مصانع عشوائية تضر بالمصانع الرسمية والمسجلة حيث لا تتحمل أي أعباء وتعمل بعيدا عن أعين الدولة وبالتالي التكلفة لديهم أقل. وأوضح أن عددا كبيرا من المصانع بعضها أغلق كليا والآخر جزئيا، فالقوي الشرائية للمواطن ضعفت لأسباب كثيرة جدا بعد تعويم الجنيه، إضافة إلي أن رأس مال المصنع انخفض 50% وثانيا مع وصول فوائد البنوك 20% امتصت السيولة من السوق بالتالي السوق الصناعي انكمش ووجهت الأموال نحو البنوك فلا يوجد نشاط يربح هذه النسبة. وأكد أبو عمو أن صناع الغزل والنسيج في مصر، يواجهون حربا اقتصادية فما زال التهريب يمثل خطرا داهما وتتعدد طرقه وأساليبه، بالتالي اي كونتينر مهرب يدخل، يغلق أمامه مصنعا بالاضافة إلي الأعباء الحكومية علي المصانع، التأمينات 40%، الكهرباء زادت، كلها عوامل اثرت بالسلب علي السوق وعلي هذه الصناعة القومية كثيفة العمالة. ظاهرة التوك توك وتابع: المصانع التي كانت تعمل ثلاث ورديات اصبحت تعمل وردية واحدة، حتي العمالة الآن توجهت إلي »التكاتك»، وآخرون اصبحوا بائعين متجولين، وقال: حتي المصانع العاملة الآن لا تجد عمالة، الناس تشتكي من البطالة والحقيقة أنهم يجلسون علي المقاهي ولا يريدون العمل. وقال رئيس الرابطة: صناعات مغذية كثيرة تأثرت سلبا بتراجع قطاع الغزل والنسيج، العمالة اصبحت تتناقص لعدم وجود القوي الشرائية والمصانع قللت من الانتاج في حين العمالة تريد زيادات في الراتب والمصانع لاتستطيع فهربوا من المهنة حيث أصبحت طاردة وليست جاذبة، فضلا عن إشكالية المصدرين فاكبر مصنع في المحلة يشتكي من عدم تقاضي مستحقاته في دعم التصدير ولا رد ضريبة المبيعات.. وأضاف أبو عمو قائلا: تحدثنا مع جميع المسئولين ومع كل الوزراء ورئيس الوزراء السابق وقدمنا المشكلة وحلها والآن ملقاة في الادراج وذهبنا إلي الرقابة الادارية وكتبنا المذكرة وإلي الآن ليس هناك اي رد منذ ثلاث سنوات. المادة الخام وتساءل قائلا: كيف تكون صناعتنا ناجحة والمادة الخام استيراد، تحدثنا مع وزير الزراعة وطالبنا زيادة الرقعة الزراعية للقطن وعودة الدورة الزراعية، وجلسنا مع الوزير السابق اشرف العربي أكثر من مرة وأخبرنا بتنفيذ مساندة لقطاع الغزل والنسيج موقع عليها 4 وزراء »مرمية» لدي وزير المالية وعندما نتحدث مع وزير المالية يقول ليس هناك اعتمادات مالية وموارد الدولة كلها موجهة إلي المواد الغذائية. وتابع: المشكلة لدينا ليست في وزير المشكلة ان الصناعة مبنية علي 5 او 6 وزراء وللاسف كل وزير يعظم وزارته علي حساب وزارة أخري وكله في النهاية يصب علي وزير المالية، الهند تغلبت علي هذا الموضوع بعمل وزير خاص له سلطة رئيس وزراء لقطاع الغزل والنسيج للإلمام بجميع المشاكل. ساعات العمل أما المهندس ابراهيم الشوبكي، أمين عام الرابطة، أكد أن العمالة في القطاع تقل تدريجيا نتيجة تخفيض ساعات العمل فالمصانع حاليا لا تعمل بطاقة تتجاوز 30%، فضلا عن إغلاق عشرات المصانع نهائيا. وأشار الشوبكي إلي إغلاق نحو 15 مصنعا متوسطا مؤخرا لعدم القدرة علي الاستمرار في وجود كم الاعباء الكبير الذي واجههم، وتمت عمليات هدم لهذه المصانع وبنيت مكانها أبراج سكنية أو »كوفي شوب». وتابع: المشاكل كما هي لان عددا من الوزارات لا تريد أن تقوم بمهامها، ابرزها اننا لا نزرع قطنا المادة الخام، وبعدنا عن التعليم المهني او الفني، افتقدنا الصنايعية، لم يعد هناك اهتمام بالمصانع ولا برد القيمة الضريبية علي الشيء المصدر.