في عدد 19 يوليو 2011 من مجلة صباح الخير. قلت للزميلتين الصحفيتين هايدي عبد الوهاب وأماني زيان: أخشي من إعلان إمارة إسلامية في مصر خلال شهر رمضان. وبعد نشر الحديث عاتبني كثيرون لأنهم رأوا فيما قلته نوعاً من التوقع الخيالي الذي لا تسنده أي شواهد من الواقع. ثم إن ما نخشاه من كثرة ما نردده. قد نفاجئ بوجوده أمامنا. قلت يومها إنه اجتهادي الذي أعلنته بطريقتي في البساطة والصراحة والوضوح والبعد عن اللف والدوران. كانت كل شواهد الواقع تحمل لي الإحساس بأن فصيلاً واحداً يحاول أن يستأثر بالحياة السياسية. أن يحتل ما كان يحتله الحزب الوطني الديمقراطي في حياة المصريين. ننام ونصحو عليهم وهم يؤكدون لنا أنهم فائزون فائزون. وحاكمون حاكمون. ولم يبق فقط سوي النسبة التي يمكن أن يتنازلوا ويحصلوا عليها. أمس الأول تابعت مثل غيري من المصريين يوم الجمعة الذي أطلقوا عليه أسماء كثيرة. قبل الجمعة بيومين كانت سيارات الميكروباص تنقل من يرغبون في التظاهر بميدان التحرير من قراهم البعيدة عن القاهرة سواء من بحري أو من قبلي. أيضاً رأيت من يتجهون للميدان صباح الجمعة كل منهم يرتدي الجلباب الباكستاني الأبيض ويحمل العلم الأخضر والهتاف واحد: إسلامية إسلامية. مصر حتفضل إسلامية. مصر مصر إسلامية واستمعت لخطيب ميدان التحرير وهو يصيح بصوت عال: الجيش خط أحمر والمادة الثانية في قوة صخرة المقطم. وبعدها التهليلات والتكبيرات. وكأن الأمر يعبر عن حالة إعلان حرب. استعجبت من كل هذا الحشد الرهيب بمناسبة شهر كريم فضيل يدعونا لأكبر قدر من الهدوء والسكينة. ذلك أنه من الثابت والمؤكد أن الصيام مدرسة للبذل والجود وصلة الرحم والتضحية والفداء. فهو معين للأخلاق ونبع للرحمة. ومن الثابت أيضاً أنه من حسن الاستعداد لشهر رمضان أن يعقد الإنسان العزم علي تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات. وأن رمضان من أعذب لحظات العمر فيجب ألا يفرط الإنسان في لحظة منه لأنه أيام معدودات. لا جديد علي الإطلاق عندما أقول أن الصيام عملية تحقيق للتقوي وقهر للهوي وتقوية للإرادة. وأنه الفترة الروحية التي تجد فيها الأمة فرصة لإصلاح أوضاعها. ويجب أن يستقبل الإنسان رمضان بالتوبة والإنابة والخروج من المظالم ورد الحقوق لأصحابها. وأن استثمار أيام رمضان ولياليه صلاحاً وإصلاحاً وأن ذلك هو العمل الأمثل. كذلك فقد علمنا التاريخ أن الأمة الإسلامية حاولت دائماً وأبداً أن تجعل من الشهر الفضيل نقطة تحول من الفرقة والاختلاف إلي التوحيد والائتلاف. لا أحد يناقش إسلامية المسلمين المصريين كجزء من العالم الإسلامي ومن الوطن العربي. ولا أحد يفكر في الاقتراب من المادة الثانية من الدستور. لكنهم بعد ذلك الإحساس الرهيب بفائض القوة التي لا يعرفون كيبف يعبرون عنها. يجعلهم يفتعلون قضايا لا وجود لها في أرض الواقع ويردون عليها. ويرفعون شعارات لسنا في حاجة لمن يرفعها لأنها من ثوابت الحياة. إن تقاسم الإحساس وقوع الثمرة في حقول الإخوان والسلفيين وأن عليهم استثمار الوضع في مصر الآن لعله يشكل مقدمة للتعامل مع نفس الأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. إن هذا مكمن السر لما نشاهده من عملية خلل واختلال في حياتنا اليومية. هل أذهب أكثر من هذا؟ حتي عندما كان الرئيس المخلوع يجلس في قصر العروبة. وعندما كُلِف عمر سليمان بإجراء الحوار. وصلت دعوي لأحد المدعوين فاكتشف منها أن جماعة الإخوان مدعوة لحضور الحوار. واتصل بصاحب الدعوي الذي قال له أن رئيس الجمهورية في ذلك الوقت يعرف هذا جيداً. بل وموافق عليه. إذن نحن أمام ما يمكن أن يسمي بنظريات ملء الفراغ. التي يتولاها من يتولاها من القوي الكبري التي تعتبر أن مصير مصر شأناً أمريكياً يخصها. وهكذا أعلنت الإدارة الأمريكية استئناف اتصالاتها التي كانت سرية بجماعة الإخوان. والاستئناف الجديد إنما يتم بشكل علني "وعلي عينك يا تاجر" وهكذا جري التصرف وتجري الأمور تحت أعيننا منذ الحادي عشر من فبراير وحتي الآن. لن أستبق الأمور وأتحدث عن صندوق انتخابات وأقول رأيي الثابت فيه. ولن أطل علي الزمن الآتي. لكني فقط أرجو من شباب 6 أبريل أن يقللوا من خصومتهم مع المجلس العسكري ومن الهجوم الدائم عليه وعلي قائده. أعرف أن بعض التجاوزات قد تمت في حقهم من قبل المجلس. وأن من حقهم أن يكون لديهم رد. وأن يعبروا عن رفضهم لما قيل. ولكنهم شباب. واندفاع الشباب وقوته قد يدفعهم للمغالاة في ردود أفعالهم التي يمكن أن تجعل المجلس العسكري لا يري حليفاً له في الساحة المصرية إلا الإخوان والسلفيين. لأنهم يبالغون في التقرب من المجلس ورئيسه والهتاف لهما والكلام الذي يؤمن به كل المصريين وليس هم فقط عن أن جيش مصر خط أحمر. غداً هو شهر رمضان. وهو الشهر الفضيل الذي أقول لكل مصري: كل سنة وانت طيب. وفي هذا الشهر يزداد الشعور الديني عن باقي أيام السنة. خاصة في صلاة التراويح وصلاة الفجر ولحظة الإفطار واستغلال مثل هذا المناخ بشكل غير صحي ولصالح فئة بعينها تعتقد أن التدين احتكاراً خاصاً بها. وتطلق علي نفسها أسماء فيها قدر كبير من تمييزها علي الآخرين علي أساس ديني. كل هذا المناخ قد تكون أخطاره أكثر بكثير من مزاياه. كنت أتصور أن نحتفل برمضان جميعاً. كل أهل مصر. المسيحيون قبل المسلمين باعتباره أول رمضان يأتي بعد ثورة 25 من يناير. ونقول أنه رمضان بطعم الحرية. وأنه رمضان بطعم الثورة. وأن يقدم المصريون فيه للدنيا كلها صورة جديدة لرمضان تضيف لتراثه القديم تجليات جديدة لم تكن موجودة من قبل. فهو الشهر الأول بعد أن تحرر المصريون من ربقة 30 سنة مضت عليهم ولا يدري أحد كيف مرت عليه؟ لكننا نستقبل رمضان بأكبر قدر من التوتر ومن الفرقة ومن التباعد ومن التخوين وكل هذا إن لم يكن له رد فعل مباشر وفوري فإن ردود أفعاله تنتظرنا في الطريق.