بحكم النزعة المهنية التي تغذي الرغبة في متابعة ما يجري في مصر والعالم فإنني اجد نفسي دوما ساعيا متجولا رغما عني بين القنوات الاخبارية الكثيرة الناطقة بالعربية والانجليزية. ومن خلال حاستي الصحفية الاخبارية التي اكتسبتها من خبرتي الطويلة في هذا المجال، فمن السهل عليّ المقارنة وتبين ما يخفي من أهداف في عملية صياغة الخبر وتقديمه وكذلك مدي توازنه وتوافقه مع الحقيقة والحيادية والبعد عن سوء القصد. بالطبع فانه من السهل علي اي محترف ان يكتشف الخفايا المستهدفة في الاخبار المذاعة وما قد يشوبها من تحريف وانحراف وعدم مصداقية. في هذا المجال فإنه لا يخفي. ان هناك مباديء وقواعد اساسية لابد من الالتزام بها اخلاقيا وفقا للمواثيق الاعلامية. ان التحليل العادل لهذه الظاهرة يتطلب ان يوضع في الاعتبار سيطرة الدول وتأثيرها وكذلك الممولون والمالكون لهذه القنوات. انهم يفرضون الانصياع لسياساتهم وتوجهاتهم المغرضة التي لا تستهدف في معظم الاحيان خدمة المصلحة الوطنية. من خلال جولتي بين هذه القنوات الاخبارية المستمرة فانني واستنادا الي وجهة نظري الخاصة أستشعر وحسب الترتيب.. الراحة المهنية عند متابعتي لقناة العربية وقناة ال بي.بي.سي البريطانية وقناة سي.إن.إن الامريكية في بعض الاحيان. هنا لا تفوتني الاشادة بالاتزان والحيادية المهنية الي درجة كبيرة لقناة العربية بينما اجد ان هذا التوازن يهتز في كثير من الاحيان عند معالجة القناتين البريطانية الموجهة الي العالم العربي والامريكية ذات الصبغة العالمية لبعض القضايا العربية والعالمية. انها تعمد الي الانحياز لوجهة نظر تخدم مصالح هذه الدول بصورة ذكية في بعض الاوقات. وبالطبع فإنه ليس سهلا علي المشاهد العادي البريء والحسن النية عدم الوقوع ضحية للخداع والتضليل الاعلامي الموجه وهو ما قد ينعكس علي سلوكه وتصرفاته تجاه احداث وطنه. في هذه الناحية فإن الامر يحتاج الي المواجهة المهنية ونشر الحقيقة الموثقة وان تكون هناك توعيات وتوجهات مستمرة قائمة علي الاقناع والعقل والمنطق ومستندة الي العلم والخبرة. وحتي تكون هناك فرصة امام هذه المواجهة وضمان نجاحها في اجهاض ما قد تستهدفه هذه الحرب الاعلامية وتأثيراتها النفسية فإن الأمر يستوجب مداومة اجلاء الحقيقة دون ابطاء لقطع الطريق علي محاولات التشكيك وتشكيل رأي عام مؤيد لما قد تستهدفه عملية عرض الاحداث الاخبارية والتعليق عليها. بهذه المناسبة فإن العدالة تقتضي ان أشيد بالتناول الاعلامي المهني الشريف التي تقوم به قناة »النيل« الاخبارية المصرية. إنني أشهد لها وادرك بأمانة ومصداقية انها تستحق التقدير والتحية. ان هذه القناة لم تأخذ حظها ومكانتها بين القنوات الاخبارية رغم تميزها واجتهادها وتفاعلها الامين الي اقصي حد مع الاحداث. انها ليست اول مرة اتحدث فيها عن »قناة النيل« للاخبار التي تناوب علي ادارتها شخصيات اعلامية متعددة ابرزها الاعلامية هالة حشيش التي كانت لها بصماتها الواضحة علي اداء هذه القناة. ان تحيزي لقناة النيل ليس لمصريتها ولكنه نابع من منظور مهني يجعلني ادعو الي مشاهدتها ومتابعتها بعيدا عن اي مؤثرات نفسية أو دعائية. كم آمل ان ينصلح حال الاعلام المصري وان يستعيد عقلانيته والتزامه بالقيم الاخلاقية بعد سقطاته وتجاوزاته خلال فترة الثورة بحثا عن الاثارة علي حساب المصلحة الوطنية. لابد ان نعترف اننا لم نجن ولن نجني من وراء هذا الاداء سوي المزيد من الفوضي وهز الاستقرار وتعويق جهود المضي بسفينة الوطن الي بر الأمان والسلامة.