قليل من الأماكن في وطننا العربي الكبير هي التي تركت بصمتها في ذاكرة الوطن والمواطنين، في مقدمة هذه الأماكن القاهرة الفاطمية مدينة الألف مئذنة. وقد أعجبني كثيرا وصف أحد أساتذتنا للقاهرة وبغداد بأنهما كفتا ميزان الأمة، فإذا سقطت إحداهما، سقطت الأخري. وأضيف أنا المدينة الثالثة، وهي دمشق التي لو ارتبطت بالمدينتين السابقتين لكان للعالم العربي شأن آخر. دخلت إلي دمشق لأعبر منها إلي معرة النعمان موطن شيخ الشعراء أبي العلاء المعري التي يدهسها الضرب القوي السوري في وجه المعترضين، ويزعجها ثورة الثائرين . مايشغلني في هذه الحالة هو حالة المعرَّة التي لا تفتأ تخرج من أزمة حتي تدخل أزمة أخري. عرفت تاريخها وأنا أعد رسالتي للدكتوراة حين اكتشفت أن مداهمات أعداء الأمة كانت تأخذ المعرة في طريقها، وليس أقل من إحراقها بما فيها. فضاع من شعر أبي العلاء ما يزيد عشرة آلاف بيت. جمعت أنا منها ما يقترب من سبعمائة. المعرة هي المشقة وكأنما صدق فيها المعني اللغوي، فقد دهم معرَّة النعمان الكثير، بداية من الغزو الروماني حتي الغزو الصليبي، حتي الضرب السوري. أملي الوحيد أن تخرج الدول العربية بعد ثورات الشعوب علي حكامها إلي طريق الوحدة والقومية حتي تستقر كفتا الميزان القاهرة وبغداد ومعهما دمشق.