في زماننا هذا يمرح في بيوتنا شياطين الفرقة والأنانية والصراع فتمرض روح الانسانية والمودة والتراحم بين أبنائها وتتدهور العلاقات والعبادات فكيف ونحن في ذكري هدي رسول الانسانية نستلهم من هديه وسنته حلولا نصلح بها الأسرة لتتعافي البيوت وتعود اليها الطمأنينة. يقول د. طه أبو كريشة من علماء الأزهر الشريف: ان البيت الذي يفتقر الي الألفة والوئام ينجب عناصر تعيش التمزق النفسي والضياع الفكري والفساد الأخلاقي وعقوق الابناء وعلاقات خاسرة بين الشباب وعدم المسئولية والاعراض عن الله والتمرد علي القيم والمبادئ مما يعصف بفريق من أبناء امتنا اليوم وذلك نتيجة حتمية لبيت غفل عن التزكية وأهمل التربية وفقد القدوة وتشتت شمله ولذا من الضروري تحصين البيت ضد هذا التلوث الخلقي وإصلاح ما فسد ووقاية بيوت المستقبل لمن يقدم علي تكوين بيت.. ويبدأ ذلك بحسن اختيار الزوجة بشروط ذكرها الرسول حين قال: »تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» وتسهيل أمور الزواج للخاطب حين قال: »إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد عريض» وأن يكون البيت مكانا لذكر الله بالصلاة والعبادات ونربي أنفسنا وأهلينا علي الايمان الذي يتبعه العمل ودعوة الصالحين لزيارة البيت، فبهم تعم الفائدة. ولسلامة البناء الداخلي للبيت يجب عدم اظهار الخلافات العائلية أمام الابناء وعدم استضافة من لا يرضي دينه وخلقه، قال الرسول : »مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير» والدقة في ملاحظة احوال البيت فكثير من الآباء لا يعرفون من يصاحب ابناؤهم فيحدث انتكاس لكثير منهم وان تتم المتابعة دون اشعارهم بفقدان الثقة بهم ومراعاة العقاب علي قدر الخطأ والاهتمام بتحفيظ الابناء القرآن وتعليمهم القصص الإسلامية واختيار ألعابهم الهادفة وملاطفتهم، فرأينا الرسول »» يداعب الحسن والحسين ويوطئ لهما ظهره ليركبا ويقول »ان إبني هذين ريحانتاي من الجنة» والحزم في تنظيم اوقات النوم والمذاكرة لتعليمهم النظام وأهمية الوقت وحفظ اسرار البيوت، حيث قال الرسول »إن من شرار الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي الي امرأته وتفضي اليه ثم ينشر سرها» وفي وقتنا الحالي من أسوأ ما تتعرض له البيوت نشر اخبارها وأحوالها علي مواقع التواصل الاجتماعي فيحدث الانشقاق والفتنة وفضح البيوت. شواهد الاقتداء ويضيف د. أبو كريشة: من وسائل اصلاح البيوت اشاعة خلق الرفق فكان الرسول في مهنة أهله ويخيط ثيابه ويخصف نعله، فإذا حضرت الصلاة خرج اليها ويقاوم ألاخلاق الرديئة فإذا اطلع علي أحد من أهل بيته كذب كذبة يعرض عنه حتي يحدث توبة وان تفهم البيوت معني القوامة فالحياة مشاركة وكفاح خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة ويكون ذلك بالشوري والتفاهم والتعاون بعيدا عن الاستبداد والفردية ليكتسب الابناء صفة الطاعة وتوقير الكبير واحترامه، قال الرسول »رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد». الصلح خير ويقول فضيلة الشيخ منصور عبيد الرفاعي من علماء الأزهر: البيت مكان الستر والراحة والاجتماع مع الأهل.. واصلاح البيوت وقاية للنفس والاهل من جهنم قال تعالي »يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ». وهو أيضا وسيلة لبناء المجتمع وفي هدي رسولنا الكريم من المواقف التي تصلح وتبني البيت السليم الكثير منها: عدم اظهار الخلافات العائلية أمام الاولاد.. صحيح انه يندر ان يخلو بيت من المشاحنات ولكن خناق الابوين علنياً يؤدي الي الانقسام لمعسكرين ويسبب تشتت الشمل والاضرار بالصحة النفسية للابناء فليحرص الابوان علي اخفاء الخلافات بقدر الامكان والبعد عن الخصام والرجوع الي الحق، حيث قال تعالي »وَالصُّلْحُ خَيْرٌ». ولتعليم الابناء الصدق من الابوين كان هذا الموقف من النبي فعن عبدالله بن عامر قال: دعتني أمي يوما ورسول الله قاعداً في بيتنا فقالت ها فقال لها الرسول »»: وما اردت ان تعطيه قالت اعطيه تمرا فقال لها الرسول صلي الله عليه وسلم إما إنك لو لم تعطيه كتبت عليك كذبة. والآداب التي سطرها لنا النبي لتعليم الابناء كيفية تناول الطعام بلا اسراف ولانهم عندما كان النبي في بيت زوجته أم سلمة رضي الله عنها وجلس ابنها سلمة امام الطعام فطاشت يده في الصفحة »إناء الأكل» فقال له : يا بني سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وهذا ما يطلق عليه الآن أدب المائدة »الاتيكيت» فتوجيه الرسول »» للطفل يعلمه ان يصغر اللقمة حتي لا يملأ الفم بالطعام ويمضغ الأكل جيدا حتي لا يسبب اضطرابا في الهضم وارتباكا في المعدة.. فهذا الاسلوب التربوي هو أعلي قمة في التربية من الذي علم الرسول فقال له: »وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما» فهذا أدب من الآداب التي علمها لنا النبي لو التزم كل بيت بها لن نجد شقاقا وفوضي داخل المنازل بل سوف تستقيم البيوت وينصلح حالها.