لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، تجد الولاياتالمتحدة نفسها في عزلة كاملة حتي عن أقرب حلفائها. فقد وجه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ال 28 تحذيرا من اعتراف امريكابالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارتها إلي هناك، وذلك قبل يوم واحد من إعلان الرئيس الامريكي ترامب قراره في هذا الشأن. بل ان »فيديريكا موجيريني» مسئول الشئون الخارجية للاتحاد الاوروبي، وصفت قرار ترامب بأنه »يعيدنا إلي الوراء.. إلي أزمنة أكثر ظلاما من تلك التي نعيشها الآن». وتم إبلاغ وزير الخارجية الامريكي بأن الحل الواقعي للنزاع بين اسرائيل وفلسطين، فيما يري الاتحاد الاوروبي، هو أن تكون القدس عاصمة لدولتي إسرائيل وفلسطين. معظم دول العالم، من البابا فرانسيس في الفاتيكان إلي بوليفيا، ترفض قرار ترامب. وهناك أصوات مهمة داخل الولاياتالمتحدة تعارض القرار، مثل الكاتب والمعلق الامريكي باتريك كوكبرن، الذي يري ان موضوع نقل السفارة ظل يستخدم في الانتخابات الامريكية كستار من الدخان للتغطية علي إقامة وتوسيع المستوطنات الاسرائيلية في القدسالشرقية. ويؤكد »جرانت سميث»، مدير معهد الأبحاث في واشنطن، ان قرار ترامب يلحق الضرر بالولاياتالمتحدة ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن ويهدم حكم القانون ويقوض المكانة الدولية لامريكا. ويقول المعلق الامريكي »بيل فان اوكين» ان ترامب أرسل إشارة واضحة إلي الحكومة المتطرفة في اسرائيل بأن توسيع مستوطناتها ومصادرة الاراضي الفلسطينية والتطهير العرقي وسياسة القمع موضع تأييد غير مشروط من جانب واشنطن . ويقول »ريتشارد هاس»، الدبلوماسي الامريكي السابق والمدير الحالي لمجلس العلاقات الخارجية، إن القدس أكثر القضايا حساسية ولا يجب التعامل معها من طرف واحد، وقرار ترامب أحادي ولا يرضي سوي اسرائيل. ونقلت صحيفة »واشنطن بوست» عن مسئولين في الادارة الامريكية أن ما قام به ترامب هو الجنون بعينه، وان الرجل لا يدرك النتائج التي تترتب علي أفعاله. وحتي في اسرائيل، كتب الناشط الاسرائيلي المخضرم ومؤسس »كتلة السلام» »يوري افنيري»، يقول إنه لا يمكن تخيل أن يتخلي مسلم عن القدس، ولذلك فإن قرار ترامب.. أخرق . وقال المعلق الاسرائيلي المعروف »الوف بن» إنه يبدو كما لو كان خطاب ترامب حول القدس مكتوبا بقلم نتنياهو نفسه، وأعلنت صحيفة »هآرتس» الاسرائيلية أن المساس بالوضع القائم في القدس سيزيد عزلة اسرائيل في العالم. وماذا بعد؟ هل لا يزال هناك من يقول إن 99٪ من أوراق اللعبة في يد الامريكيين؟ ليس من المستبعد أن يكون قرار ترامب مجرد تمهيد لما هو أكبر وأكثر خطورة. ولما كانت الحقوق غير قابلة للتفاوض، ولا مكان للتلاعب بالثوابت أو السماح بتدمير مقومات وجود الشعب الفلسطيني علي أرضه. ولما كان قرار ترامب صدمة نحتاجها لكي نتذكر من هو العدو.. فإن أمام العرب فرصة تاريخية لفتح جبهة جديدة من المواجهة لاستكمال عزل امريكا حتي ينقلب السحر علي الساحر.. عن طريق خطوات عاجلة منها: اختيار رعاة جدد لعملية السلام مثل الاتحاد الاوروبي والصين وروسيا بعد أن ثبت أن الوسيط الامريكي غير نزيه، ودعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة القرار الامريكي والمطالبة بإلغائه لأنه يتعارض مع كل قرارات الشرعية الدولية، ووقف كل خطوات التطبيع وإحياء قنوات المقاطعة العربية، ووقف الاتصالات العلنية والسرية مع العدو، ورفض أي مفاوضات قبل التراجع عن قرار ترامب، ودعم المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال، والدعوة لاجتماعات قمة لكل من الاتحاد الافريقي ومنظمة التعاون الاسلامي وحركة عدم الانحياز ومنظمة تضامن الشعوب الآسيوية الافريقية، ورفض مقابلة أي مسئول أمريكي قبل التراجع عن القرار، كما فعل شيخ الأزهر، والإسراع بإنجاز المصالحة الفلسطينية.