الإعلان يوم الإثنين قبل الماضي (6/6) عن تأسيس حزب "الحرية والعدالة"، كأول حزب سياسي في تاريخ حركة "الإخوان المسلمين"، وأول حزب سياسي ينشأ بعد ثورة 25 يناير العظيمة، بموافقة اللجنة الجديدة لشئون الأحزاب السياسية، هو حدث تاريخي بكل المقاييس، ينبغي الترحيب والاحتفاء به، بعد أن ظل "الإخوان المسلمون" يصنفون طوال الستين عاما الماضية، ضمن إطار الحظر والمنع والحصار والقمع والاضطهاد والحرب غير الشريفة من قبل النظام السابق. لقد آن الأوان، بعد "ثورة التحرير" المباركة، أن تعمل كافة القوي السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني في النور، وفي أجواء تقوم علي مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام الآخر، وأن يشارك الجميع في بناء ونهضة الوطن الغالي، دون استبعاد أو إقصاء أو تخوين، وأن يكون الشعب المصري هو وحده الحكم علي هذا الحزب أو ذاك التيار، وأن تكون الانتخابات الحرة النزيهة هي الفيصل في تولي المسئوليات، وقيادة دفة الوطن إلي آفاق المستقبل المشرق. وكنت أتمني، ومازلت آمل، أن يتم تسهيل إجراءات تأسيس الأحزاب السياسية الجديدة، وتيسير شروط الموافقة عليها وإشهارها رسميا، وفتح الباب واسعا أمام جميع القوي والأشخاص، الذين يريدون الدخول إلي ميدان العمل السياسي والحزبي، بما يؤدي إلي نشأة أحزاب سياسية عديدة، كي نشهد منافسة إيجابية حقيقية، بين برامج وأفكار ومشروعات سياسية جادة، لأن المستفيد الأول من هذه المنافسة الحرة هو المواطن، الذي يسعي الجميع من أجل خدمته ونيل ثقته. ماذا يضير من ظهور عشرات الأحزاب الجديدة؟ حتي لو بلغوا مائة حزب أو أكثر؟ إنها فرصة للحوار الناضج والممارسة العملية والمنافسة الحرة وبذل الجهد والعطاء لمن يستطيع، ثم ينتهي بنا المطاف إلي خمسة أو ستة أحزاب كبيرة، تجتمع عليها أصوات الناخبين، وتتبادل السلطة بطريق ديمقراطي حضاري.. وأعتقد أن ظهور حزب "الحرية والعدالة" في هذه الفترة، سوف يضيف حيوية وحراكا إيجابيا في دولاب العمل السياسي والحزبي، وسوف يغير من طبيعة الواقع السياسي في مصر في الفترة المقبلة، سواء من حيث أهمية الممارسة الميدانية والعمل الجماهيري، أو من حيث قوة البرامج ووضوح الخطط، فمثل حزب "الحرية والعدالة" الذي يمتلك الكثير من الإمكانات والطاقات، لا بد أن يتحسب له من يشارك في العمل السياسي، وأن يسعي لتقديم أفضل ما لديه للفوز بثقة الناخبين. وبالطبع لن يكون الطريق أمام حزب الإخوان الجديد مفروشا بالورود والرياحين، بل أمامه عقبات وصعوبات ومشكلات، فهناك كثير من المتربصين، الذين يبحثون عن مواطن الزلل، ويفتشون في الضمائر لتشويه الصورة وتزييف الحقائق، وهؤلاء ما زالوا يتصدرون الوسائل والمنابر الإعلامية، وهناك قضايا أكثر إلحاحا وأهمية يجب مواجهتها بشكل علمي، منها ضرورة عودة الاستقرار وتحقيق الأمن وزيادة الإنتاج ومواجهة البطالة والفقر ومحاربة الفساد، وغيرها من قضايا. مطلوب من حزب "الحرية والعدالة" أن ينزل إلي رجل الشارع البسيط، وأن يتعرف علي الواقع الميداني في أنحاء الوطن أولا، وأن يقدم رؤيته الواضحة لحل المشكلات ومواجهة الأزمات، من خلال برنامج سياسي علمي وواقعي، يقنع الجماهير بأنه جدير بأن ينال ثقتهم، وعليه أن يقدم نموذجا راقيا من المنافسة السياسية الشريفة، والممارسة الأخلاقية المحترمة، وأن يرد بهدوء وموضوعية ومصداقية علي مخاوف البعض من توجهاته، وألا يدخل في مهاترات لا طائل منها. إن مصر الآن في حاجة إلي التنافس الحر الشريف بين كافة الأحزاب والتيارات السياسية، وأن يتقدم الصفوف من لديه القدرة أكثر علي العطاء والبذل والتضحية، وأن يشارك الجميع في بناء المستقبل المشرق بإذن الله.