الفساد.. من »الدرج المفتوح» إلي حيتان الملايين مصر تحتل المركز 108 في تقرير »الشفافية الدولية» لعام 2016 »فوت علينا بكرة».. كلمة ارتبطت في اذهان المصريين بالموظف الكسول المتراخي عن اداء عمله لدرجة جعلت الكثير يشعر ب »عقدة» بمجرد ان يعرف ان لديه مهمة يريد انجازها في اي ديوان حكومي فهو يعلم انه علي موعد مع العذاب .. تهمة الكسل والتراخي ليست فقط ما يواجهه الموظف المصري من اتهامات، بل ان هناك تهما أخري أكثر خطورة، ولا سيما بعد توالي سقوط العديد من الفاسدين في مختلف المواقع الوظيفية، وبعضهم كان يحتل مواقع قيادية مثل نائبة محافظ الإسكندرية د. سعاد الخولي التي تم القبض عليها مؤخرا بتهمة تقاضي رشوة.. في المقابل فان البعض يظهر تعاطفه مع الموظفين الذين يعملون باقل الامكانيات المتاحة وفي ظروف شديدة الصعوبة .. ليبقي السؤال هل الموظف جاني أم مجني عليه؟ وماذا قدم له قانون الخدمة المدنية الجديد؟ وما مدي خضوع تقارير تقييم الاداء السنوي للموظفين التي تكشف عن مفارقات صارخة فيما يتعلق بالكفاءة لمعايير الشفافية والنزاهة اسئلة كثيرة نحاول الاجابة عليها في هذا الملف الذي نسعي من خلاله إلي اختراق دولة الموظفين، والوصول إلي رؤية أكثر عمقا لكيفية إصلاح الجهاز الإداري في الدولة. الفساد.. حرب خفية قد تقضي علي بلد بأكمله دون إطلاق رصاصة واحدة، كسرطان ينهش في جسد الوطن ببطء، مليارات الجنيهات تدخل دهاليز »بيزنس الظلام» تغتال اقتصاد الدولة وتهدر ثروات الوطن وتضيع حقوق المواطنين، وتكشف العديد من التقارير الدولية حجم تلك »المافيا» وبالتالي ضرورة المواجهة، فقد أحتلت مصر المرتبة 108 بمؤشر مدركات الفساد في أخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية عام 2016، وكانت أبرز القضايا التي تمكنت الأجهزة الرقابية من إكتشافها مؤخرا، ضبط نائبة محافظ الاسكندرية السابقة برشوة مليون جنيه كذلك ضبط رئيس لجنة مكافحة التهرب الضريبي برشوة 2 مليون جنيه، وقبلها القبض علي مديرة حسابات بالإدارة التعليمية في مدينة 6 أكتوبر ومتهمين أخرين في قضية كسب غير مشروع بما قيمته 331 مليون جنيه ، ومن أشهر الوقائع أيضاقضية »رشوة وزارة الصحة»، والتي تم إحاله مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية المتخصصة للمحاكمة في قضية رشوة بلغت 4 ملايين جنيه، وقضية »الرشوة الكبري» التي إنتحر علي أثرها أمين مجلس الدولة الأسبق داخل محبسه. »الأخبار» سألت عددا من الخبراء بشأن خطورة الفساد علي الوطن وكيفية السيطرة علي هذا السرطان والقضاء عليه. في البداية يؤكد عاصم عبد المعطي رئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد، ووكيل الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق ان الفساد والإرهاب وجهان لعمله واحدة، لذلك يجب أن تكون الدولة جادة في حربها في مكافحة الفساد، ويضيف أن هناك العديد من الأسباب التي تخلق بيئه خصبه للفساد إذا تم حلها سيقضي علي الفساد بنسبه كبيرة، أولها انه يجب ان يكون هناك فصل كامل وحقيقي بين السلطات الثلاثه التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يكون هناك تغول للدور الحكومي علي السلطات الأخري ، والهدف من ذلك ان كل سلطة تراقب علي الاخري واذا كان هناك فصل بينهم بشكل كامل سيقل الفساد بشكل ملحوظ.. وأضاف أن هناك عوامل رئيسية أخري تزيد من معدلات الفساد، أبرزها ضعف الأجهزة الرقابية التي لا تمارس دورها بفاعليه ، خاصة مع التطور السريع والكفاءه التي يعمل بها الفاسدون واستخدامهم للتكنولوجيا بشكل أكثر حرفيه من الدولة. ثغرات قانونية وأوضح أن هناك مجموعة من القوانين التي يستخدمها الفاسدون في الحصول علي احكام البراءة، وهي ثغرات قانونية يجب أن يتم تطهيرها بالاضافة الي سرعة الأحكام في قضايا الفساد، كما أن هناك قوانين مغيبه في إصدارها أبرزها قانون لحماية الشاهد والمبلغ وقانون حرية تداول المعلومات التي تمس وقائع الفساد ، ويجب ان يكون هناك شفافية في نشر كافة تقارير الأجهزة الرقابية. الأجهزة الرقابية وتؤكد د. غادة موسي، استاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، والخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو أول رئيس يتحدث بشكل مباشر عن مكافحة الفساد، وهو الأمر الذي يعكس وعياً بخطورة الظاهرة ووجود إرادة حقيقية لمحاربة الفساد ، لذلك جاءت ضربات الأجهزة الرقابية وبشكل خاص هيئة الرقابة الادارية متتالية وكاشفة عن عدم التفرقة والتهاون في مكافحة الفساد بين موظف صغير أو كبير، وما حدث بمثابة إفاقة للمجتمع المصري وحفز الاجهزة الرقابية لتقوم بالأدوار المنوطة بها في تقفي أثار الفساد والمفسدين ، الامر الذي بعث في نفسية الشعب الطمأنينة من وجود تناسب بين الإرادة والفعل. سد منابع الفساد وتوضح أن مصر من أولي الدول في المنطقة العربية والقارة الافريقية التي وضعت قانونا للكسب غير المشروع ، الا ان هذا القانون في حاجة الي تطوير آلياته ليكون عاملا رادعا في حماية المال العام وحماية المسئول، وقد طالب الخبراء الذين ساهموا في وضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014-2018 بميكنة إقرارات الذمم المالية وتتبع العمليات البنكية لاصحاب المناصب القيادية وتقوية عوامل التدقيق والمراجعة الداخلية علي الموارد والأشخاص للحيلولة دون حدوث فساد ، بالاضافة إلي وجوب إصدار تشريع لحماية الشهود والمبلغين والخبراء ووجوب إصدار تشريع لحرية تداول المعلومات . هيئة مستقلة ومن جانبها تؤكد النائبة أنيسة حسونة عضو مجلس النواب أن الفساد أصبح ظاهرة عصرية بسبب التقدم التكنولوجي والاتصالي وحرية انتقال رؤوس الأموال، لذلك يجب ان تستكمل الجهود المبذولة في مجال مكافحة الفساد من خلال آلية دستورية متمثلة في إنشاء هيئة تنسيقية مستقلة لمكافحة الفساد.. وأضافت انها تقدمت بمشروع قانون لإنشاء الهيئة ولكن لم يتم إصدراها.. وأشارت إلي أن مشروع القانون الذي قدمته بمجلس النواب خطوة هامة علي طريق مكافحة الفساد ، وطالبت الحكومة بتبني القانون وتعتبره أهم نواه في مشوار الحرب علي الفساد.