وأنت في السوق.. من تراه أقوي من الآخر.. صاحب البضاعة وبائعها. أم مشتريها؟.. ما بالك تتلفت يمنة ويسرة.. هل تستطيع الإجابة؟ أجيبك أنا. أعتقد أن كليهما في قوة الآخر.. هذا يريد التخلص من بضاعته بالربح، وذاك يريد شراءها بأقل الخسائر.. وما دمنا في السوق فكل المجادلات والصياح مقبول مادام هدفها تحقيق المصلحة لكلا الطرفين.. ومصر لديها الآن سلعة قوية ومطلوبة وليست »بايرة« وهي الغاز الطبيعي.. وما دامت مصر قد نزلت بها إلي السوق فلا مانع من الصياح والمجادلة حتي تبيعها بأغلي سعر ممكن.. وفي الأعراف الدبلوماسية المهذبة يسمي الصياح والجدل »مفاوضات« وما بين مصر وإسرائيل والأردن وهما أبرز من تقدموا لشراء الغاز من مصر من جدل وصياح »مفاوضات« قد طال أمدها حتي نكاد نظن أنها بلا نهاية مثل سلام الشرق الأوسط الذي لم يتحقق منذ 36 عاما.. وأقول لمن يتفاوض عن مصر.. أنت لديك السلعة ولديك أبسط وأسهل وسيلة لتوصيلها من الباب للباب والأشقاء في الأردن يحتاجون سلعتنا لكي تدور ماكينات محطات كهربائهم وماكينات مصالحهم الحيوية الأخري. وأيضا المسئولون في إسرائيل لا يمكنهم الآن الاستغناء عن سلعتنا لأن بديلها سيكلفهم أكثر وأكثر مهما غالينا في السعر.. ومادام الأمر كذلك فلم البطء الشديد في التفاوض وإطالة أمد القيل والقال مما يدفع بالبسطاء من الناس إلي القول إننا نبيع ثروتنا القومية »سلعتنا من الغاز الطبيعي« بأبخس الأسعار مع أن هذا لا يحدث كما أعلم يقينا. إن ما حدث خلال الأسابيع الماضية يغيظ أي مصري غيور علي بضاعته وثروته التي أودعها الله في أرضه.. غموض في موقف التفاوض.. ننتظر كل يوم الجديد الذي لا يعلن.. وتحاول الصحف السبق فتعلن كذبا عن استئناف ضخ الغاز لإسرائيل والأردن.. ثم لا نجد نفيا أو تأكيدا من جهة البيع والتفاوض في مصر وهي وزارة البترول.. وبعد أيام نقرأ أن إسرائيل وشركتها الأمريكية سوف تقيم دعوي تحكيم دولي ضد مصر لأن الغاز لم يصلها رغم مرور أيام طويلة كافية لاصلاح خط الغاز بعد تفجيره.. ونسأل فلا مجيب. وبعد 6 أيام أو أكثر نجد مسئولا في الشركة القابضة للغازات الطبيعية ينفي إقامة دعوي التحكيم.. وما زاد الطين بلة أن السيد المبجل خالد طوقان وزير الطاقة الأردني يتحدث صباح مساء في صحف عمان ولوكالات الأنباء فيها عن الغاز المصري وأنهم اتفقوا علي السعر وأن الضخ سيعاد يوم كذا من شهر كذا.. ما هذا؟.. هل هو صاحب البضاعة وبائعها.. لا إنه المشتري الذي يتحدث كثيرا حتي لا يدخل السوق غيره، فتبور البضاعة.. بينما صاحب البضاعة صامت لا يتحدث ولا يعلن ولا يصرح وكأنه ليس لديه صحف تسعي إليه لمعرفة الحقيقة وهو لا يهتم بالاجابة عليها. يا سادة القوة والحزم مطلوبان في مواجهة المشتري كثير الكلام وقليل الفعل.. وعليكم أن تذكروه بما تعلمون من أن الغاز يباع من منبعه في روسيا بسعر ثم يصل إلي المشتري في أوروبا بسعر أعلي وربما مضاعف بسبب دفع رسوم مرور الغاز لكل الدول التي تمر بها خطوط نقل الغاز من روسيا إلي أوروبا، وكلما بعدت المسافة وزاد عدد دول مرور الغاز زاد السعر علي المشتري.. عليكم أن تذكروا الاردن وإسرائيل أن الغاز يصل إليهما مباشرة عبر خط غاز عربي قوي ومتسع وسريع مقام علي أرض مصرية حتي بابي بلديهما.. وعلينا علي سبيل المثال أن نبيع المليون وحدة حرارية »وحدة بيع الغاز كالبرميل للبترول« بسعر أعلي مما يباع به الآن ثم نضيف إليه رسوم عبور الغاز من الساحل الشمالي المصري إلي محافظات القناة ومنها إلي أرض شمال سيناء حتي حدود إسرائيل والأردن.. ومع احترامنا الكامل لكل الاتفاقيات والعهود التي ابرمتها مصر قبل ثورة 52 يناير لتصدير الغاز إلا اننا نقول إننا في سوق والبضاعة قد يرتفع ثمنها أو ينقص.. والخيبة ان نبيع البضاعة بأقل من سعرها بحجة اتفاقيات سابقة لها مخرجها القانوني وهو ما سنستعرضه بالتفصيل الاسبوع القادم.