إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن »التريث» في تقديم استقالته هو خطوة مهمة لنزع فتيل الأزمة التي كادت تأخذ لبنان إلي جحيم الفتنة والحروب الاهلية. ولقد كانت الظروف التي أعلن فيها الحريري عزمه علي الاستقالة دافعا لتحرك أطراف كثيرة »عربية ودولية» لمحاصرة الازمة، ولمنع حرب جديدة من الظلم أن يتحمل شعب لبنان تكلفتها الباهظة، بدلا من السعي للحفاظ علي حياده، والتمسك بما أسماه اللبنانيون سياسة »النأي بالنفس» عن صراعات لن تكون نتيجتها إلا أن يكون لبنان ساحة للحروب بالوكالة عن الآخرين!! ولقد كان الدور المصري واضحا منذ اللحظة الاولي لإندلاع الازمة، برفض الحرب والحرص علي استقرار لبنان كجزء من استقرار المنطقة، ورفض التدخل الأجنبي وترك الامر للاشقاء في لبنان ليحلوا المشاكل المعلقة بالحوار، وبالحرص علي أن يكونوا جميعا جزءا من منظومة الحفاظ علي الأمن العربي. وقد لقي هذا الموقف تأييدا عربيا ودوليا كبيرا، وتكامل مع موقف فرنسي فاعل ألقي بثقل فرنسا وأوروبا وراء الجهد المبذول لتجنيب لبنان والمنطقة أزمة سوف تكون نتائجها كارثية علي الجميع. وقد أثمرت هذه الجهود عودة للحريري إلي لبنان، ثم إعلانه »التريث» في تقديم الاستقالة لمزيد من التشاور مع الفرقاء اللبنانيين في أسبابها، والدخول في حوار مسئول يجدد التمسك باتفاق الطائف وبالوفاق الوطني والمبادئ التي قام عليها للحفاظ علي لبنان من العواصف العاتية التي تضرب المنطقة كلها. ولن يكون الحوار سهلا، ولن يكون الطريق لحل الازمة مفروشا بالورود، لكن المؤكد أن الفرقاء اللبنانيين إذا تقدموا بنفس المسئولية التي تصرفوا بها بعد اندلاع الازمة الاخيرة، فسوف يكون من الممكن الحفاظ علي التوافق الوطني وفرض الالتزام بالمبادئ والأسس التي قام عليها، وتجنيب لبنان أن يكون طرفا في صراعات إقليمية أو دولية ينبغي أن يكون بعيدا عنها بعد أن تحمل كثيرا ويلات حروب الآخرين علي أرضه!! ولاشك أن الدور المصري ينبغي أن يستمر هنا.. ليس فقط لدعم الحريري، وإنما لدعم كل سعي يصب في مصلحة وحدة شعب لبنان ورفض المساعي لجره للاقتتال بين طوائفه التي يمكن ان تستعيد قدرتها علي تقديم نموذج للتعايش كان فخرا للبنان، وإغناء للعرب. الدور المصري مطلوب أن يستمر لدعم لبنان في وجه العواصف العاتية التي تهب عليه من مختلف الجهات. عاد الحريري و»تريث» لكن عوامل الأزمة باقية. مصر بعلاقاتها المفتوحة علي كل الفرقاءاللبنانيين هي القادرة علي أن تقول بوضوح وحسم لكل الفرقاء : إنه لا حل ولا مستقبل للبنان إلا بالولاء للوطن وللعروبة.. وفقط!! استقالة الحريري في الظروف التي تمت فيها وضعت لبنان في عين العاصفة. عودته وفي الظروف التي صاحبتها تجعله أقوي علي مواجهة العواصف!!