»الأخبار» تزور أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية بمصر والشرق الأوسط 40 محطة تولد90% من إنتاج السد العالي والموقع »خلية نحل» تحت الشمس الحارقة الشركة المنفذة: لم نتخيل الانتهاء مبكراً من المشروع.. وفوجئنا بمستوي العمال المصريين إذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، إلا أن أسوان كانت علي موعد جديد مع التاريخ، فقبل أكثر من نصف قرن، عاشت أسوان ملحمة بناء السد العالي، وجسد المصريون في تلك الملحمة معاني الإصرار وتحدي الصعاب، وها هي أسوان »زهرة الجنوب» علي موعد جديد مع التاريخ، لكن هذه المرة يأتي الإنجاز من المستقبل، مستقبل الطاقة النظيفة، متمثلا في إقامة أكبر مشروع لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بمصر والشرق الأوسط. المشروع العملاق الذي بدأ العمل به منذ نحو عامين بأقصي جنوب البلاد، وتحديداً بقرية »بنبان» مركز دراو محافظة أسوان، والتي استقرت عليها دراسات وأبحاث وكالة ناسا الفضائية، يعد ملحمة حقيقية تشارك بها 39 شركة مصرية وعربية وأجنبية متخصصة في إنتاج الطاقة طبقاً للمواصفات العالمية، لتنفيذ 40 محطة طاقة شمسية و4 محطات لنقل الكهرباء من المحطات للشبكة الموحدة، لتنتج لنا 2000 ميجاوات وهو ما يعادل 90% مما ينتجه السد العالي، لتبدأ مصر مرحلة جديدة في الاستفادة من الطاقة النظيفة تماشياً مع الدعوة العالمية لتوظيفها بمختلف المجالات. »الأخبار» اتجهت إلي أقصي الجنوب، في رحلة لصحراء بنبان لزيارة المشروع العملاق الذي يوشك علي الاكتمال، تمهيداً لافتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي له خلال الفترة المقبلة. ظروف بيئية قاسية جمعت بين عدد ليس بقليل من العمال، يعملون بدأب في حرارة الشمس الحارقة وبرودة الشتاء القارس، عشرات من رافضي الانضمام لطابور العاطلين يعملون بكامل طاقتهم وحماسهم، تحركهم العزيمة وتدفعهم الوطنية لبذل قصاري جهدهم، استطعنا الوصول إليهم بعد عناء أكثر من 45 دقيقة خاضت خلالها عجلات السيارة معركة عنيفة في السير علي تعرج الأرض وعدم استوائها ما بين الأحجار المتناثرة علي الأرض وأكوام الرمال المتكدسة، وبالرغم من أننا حصلنا علي شرح مفصل لكل تفاصيل المشروع من قبل النزول لموقعه، إلا أن ما رأته أعيننا أصابنا بالذهول، فكل من حولك يعمل بدأب شديد، يسود المكان تعاون ملحوظ فتشعر وكأن كل الأيدي التي تعمل يداً واحدة حتي يستحضرك مشهد » خلية النحل » فور دخولك للمكان. مشروع مدروس اقتربنا من العمال وبدأنا نتحدث معهم عن طبيعة عملهم في المشروع منذ بدايته وكيفية انضمامهم له، فبادر أغلب المتواجدين بالحديث معنا بكل حماس رغم انهماكهم الشديد في العمل، فكان أول المتحدثين من العمال عمران سيد قائلا: » سمعت عن مشروع الطاقة الشمسية منذ عام تقريبا قبل البدء فيه، ولكني لم انضم للعمل فيه رسميا إلا من شهرين تقريبا، وتمنيت لو أنني استطعت المشاركة فيه منذ شهر فبراير الماضي وهو موعد انطلاقه ، فقد توقعت أن الإرهاق في العمل سيصل إلي قمته وخاصة أننا نعمل في أصعب فترة في العام وفي أكثر المناطق تعامدا للشمس نظرا لطبيعة عمل المشروع، ولكن بالرغم من ذلك إلا أن المشروع مدروس بطريقة جيدة جدا وفرت لجميع العمال طاقتهم، فمنذ أن بدأت العمل هنا في صحراء »بنبان» ونحن نتسلم العمل يوميا الساعة الرابعة فجرا مع بدء الشروق، وننهي العمل في تمام الساعة 12 ظهرا، أي قبل اشتداد فترة لهيب الظهيرة الذي يبدأ من بعد الساعة الثانية عشرة، ولذلك فلا أشعر بالإرهاق الذي كنت أتخوف منه قبل البدء في العمل». واجب وطني والتقط عطية دياب طرف الحديث قائلا: » من أجمل ما تم فعله في هذا المشروع أنه قائم أولا علي أبناء »بنبان» باعتبار أنهم الأولي من أي أحد بالعمل في هذا المشروع، وهو ما تم الاتفاق عليه مسبقا مع أبناء القرية من قبل البدء في العمل، وأنه لم تتم الاستعانة بأي أفراد للعمل من خارج القرية إلا في حالة الاكتفاء من أبنائها. وهو ما حدث بالفعل فكل العاملين هنا في المشروع من أبناء بنبان»، مضيفا: » لا أبالغ في القول إن شبهت شعوري منذ العمل في هذا المشروع بعملي أثناء تأدية الخدمة العسكرية لخدمة وطني ، فدائما ما يراودني شعور الواجب الوطني في هذا المكان، ولا أستطيع أن أصف سعادتي في كل يوم أشعر فيه بتطور المشروع أكثر، وبروح التعمير التي تحيط بالمكان، وبعد شهور وأيام قليلة من العمل هنا اكتشفت أن هذا الإحساس الذي ينتابني فور دخولي للمكان باكرا، هو نفس الإحساس الذي يدفع كل أبناء القرية للعمل هنا، فهذا المشروع لن يفيد قريتنا فقط أو حتي المحافظة، بل إنه سيفيد مصر بأكملها، وهو ما كان كافيا لي بأن أواصل الثماني ساعات مدة العمل يوميا دون كلل، بل ولدي استعداد أن أقضي مثيلها إن تطلب الأمر». أما محمد ممدوح فيقول: » أخبرني أحد جيراننا عن هذا المشروع قبل البدء فيه ، مؤكدا لي أنهم يريدون عمالاً للمشروع من أبناء بنبان، وسوف يوفرون لنا الانتقالات ووجبات الأكل والشراب وملابس العمل والأدوات وغيرها، وأن مدة العمل لن تزيد عن 8 ساعات تنتهي قبل اشتداد حرارة الشمس، بالإضافة لراتب يومي معقول، وفي حقيقة الأمر لم أصدق في البداية أن كل هذه المميزات ستقدم لنا بالفعل، ولكني حتي الآن منذ 4 شهور لم يخل معنا بشرط واحد مما سمعته قبل الانضمام للمشروع، ولذلك فأنا في قمة سعادتي بالعمل في هذا المشروع العظيم وأتمني أن أشارك في إتمامه حتي مراحله الأخيرة. عقب انتهاء جولتنا مع العمال بموقع العمل وداخل المطعم الخاص بهم، توجهنا إلي المكتب الخاص بالشركة المنفذة، حيث قابلنا كلا من المهندس محمد عمارة مدير شركة »إنفنتي»، والمهندس أمين الدغيري مدير شركة »IB vogt» الألمانية، واللتين تعملان معاً في المشروع تحت مظلة شركة »إنفنتي 50 للطاقة المتجددة». وأكد المهندس محمد عمارة أن الشركة فور سماعها عن المشروع تقدمت فوراً بأوراقها، وأنه خلال فترة وجيزة استطاعت تحقيق الشروط المطلوبة للعمل بالمشروع، ومنها توفير التمويل اللازم بواقع 85% من الخارج، و15% من البنوك المصرية، ليتم الاستقرار علي »إنفنتي 50» ومعها شركتان للعمل كمرحلة أولي بالمشروع، تختص كل منها بإنشاء محطة تنتج نحو 50 ميجاوات. وأضاف عمارة أنه تم توقيع عقد العمل شهر فبراير الماضي، لتبدأ الشركة رحلة عمل مجهولة داخل الصحراء المصرية، والتي تم توفير نحو 30 مهندساً منهم 15 مهندساً مصرياً تابعين لشركة مقاولات مصرية، و5 مهندسين تابعين لشركة »إنفنتي»، و15 آخرين من جنسيات مختلفة ما بين رومانياوألمانيا والأردن. صعوبات وتحديات أشار عمارة إلي أن العمل بأسوان كان يواجه صعوبات كبيرة، أولها الاتفاق مع محافظ أسوان علي أن تكون العمالة من أبناء قرية بنبان نفسها، وهو ما شكل تحدياً حيث كان علي الشركة توفير مقاول من الخارج بجانب عمالة أجنبية لتدريب أبناء أسوان علي طبيعة العمل الجديد، إلا أن النتيجة كانت مبهرة خاصة مع تعود الأسوانيين علي العمل الشاق تحت درجات الحرارة المرتفعة، والتي كانت تشكل العقبة الثانية بالنسبة للشركة ومهندسيها، فوفقاً لتقارير وكالة ناسا فإن هذه المنطقة هي الأكثر تعرضاً لأشعة الشمس لذا تم اختيارها لعمل المشروع، لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتم وضع جدول زمني محدد يراعي فيه عدم تعرض العمال لأشعة الشمس لفترة طويلة تضر بهم، فيبدأ العمل من الرابعة والنصف فجراً إلي الثانية عشرة والنصف ظهراً. أما وقوع المشروع داخل صحراء بنبان بعيداً عن الطرق الرئيسية والقري، فكان عقبة جديدة كما يؤكد عمارة إلا أن إصرار الجميع علي التحدي وسرعة الإنجاز، أدي للاتفاق علي توفير سيارات خاصة مكيفة لنقل العمال ذهاباً وإياباً لقراهم، مع توفير مطعم بموقع العمل، وعيادة بطبيبين، ودورات مياه مؤهلة، بجانب توفير لجنة سلامة مهنية تتجه أسبوعياً لمقر العمل للاطمئنان علي سلامة العمال، بجانب عقد تدريبات لهم وللسائقين علي أساسيات السلامة المهنية والإسعافات الأولية. خطوات العمل وأوضح عمارة أن الخطوة الأولي في العمل استغرقت 3 شهور كاملة، بدأت بتسوية الطرق تمهيدا للعمل وهو الأمر الذي تكلف مبالغ كبيرة نظراً للطبيعة الصعبة لأرض الصحراء بأسوان، أما الخطوة الثانية فكانت إقامة شوارع داخلية وسور للمنطقة ومكاتب خدمات، وعيادة ودورات مياه، بجانب مكاتب الأمن والكبائن. أما الجزء الأكثر أهمية فهو تركيب محولات الكهرباء والكابلات، تمهيداً لتركيب الخلايا الشمسية والمحولات المستوردة من ألمانيا، فتم وصول 8 وفي انتظار وصول 12 آخرين، ويتم تسليم العمل، مع ترك فريق صيانة بموقع العمل لمباشرته فيما بعد، وأوضح عمارة أن مشاركتهم في هذا المشروع القومي في الوقت الذي ينظر فيه العالم بأجمع للطاقة النظيفة، هو أمر مشرف وإنجاز استطعنا المشاركة به، في الوقت الذي تتخوف فيه الكثير من الشركات في الاستثمار في الأراضي المصرية، إلا أن عملنا سار بشكل أفضل مما كنا نتوقع. أفضل قرار وأكد أمين الدغيري مدير شركة »IB vogt» الألمانية، أنه ولأول مرة تشارك الشركة بمشروعات في مصر، إلا أنها كانت تجربة مميزة للغاية خاصة وأن الاستثمار في الطاقة الشمسية يعد أمراً مهماً في السنوات القادمة، وأوضح أنه فوجئ بمدي استيعاب العمالة المصرية للعمل بشكل سريع، مع عدم تذمرهم من أي طلبات أو تعليمات، وأن رغبتهم في تعلم كل ما هو حديث وله علاقة بالتكنولوجيا كان الأمر الأكثر اهتماماً من جانبهم، وأشار الدغيري أن قرار إنشاء هذا المشروع كان أفضل قرار اتخذته مصر منذ فترة طويلة. محطات المحولات أما آخر محطة لنا فكانت بموقع العمل الخاص بإنشاء محطات المحولات والتي ستستقبل الطاقة من مشروع بنبان لوصلها بالشبكة القومية للكهرباء، وهناك قابلنا المهندس أحمد الأمين مدير مشروع محطات المحولات، والذي أكد لنا أنهم استلموا العمل منذ يناير 2016 لإتمام إنشاء 4 محطات كل منها تحوي 3 محولات بقدرة 175 ميجا فولت، وأشار إلي أنه سيتم إنهاء العمل خلال شهر أكتوبر لتسليم المشروع ومن هنا تكون المحطات جاهزة لاستقبال وربط الطاقة الناتجة من مشروع بنبان بالشبكة القومية بما يعادل 2000 ميجاوات وهو ما سيساهم بشكل ملحوظ جدا في تخفيف الضغط عن الجمهورية ككل.