الجمعة الماضية اختتم مهرجان الجونة دورته الأولي المتميزة بأفلامها الرائعة التي اقتنصتها إدارة المهرجان باحتراف مشهود لتصنع ميلادا قويا لافتا مازالت أصداؤه مستمرة حتي الآن داخل وخارج الحدود.. علي مدار أسبوع كامل تحولت المدينة الهادئة لخلية نحل، شارك عدد كبير من ضيوف المهرجان وقليل من سكان الجونة الذين انتقوا بعض الأفلام لمشاهدتها ولم يلتفتوا كثيرا لأحداث وفعاليات المهرجان ربما لغياب النجوم عن حضور معظم الفعاليات مختفين عن الأنظار في الفنادق التي أقاموا بها، وهو إحدي المشكلات الحقيقية بالمهرجانات فتواجد النجوم بالعروض والندوات والأحداث المختلفة هنا وهناك يزيد المهرجانات بريقا ووهجا ويجذب الجمهور بالتالي.. في الجونة رغم ضخامة عدد نجوم وصناع السينما ضيوف المهرجان، لم يشارك أو يتفاعل إلا عدد قليل منهم المخرج داوود عبد السيد والمنتج محمد العدل ومحمد حفظي وسلوي محمد علي وهنا شيحة، غير من لهم أعمال بالمهرجان أو في لجان ومنهم المخرج عمرو سلامة وهند صبري، غير ذلك يبدو أن الجميع اختزل المهرجان في الافتتاح والختام والتبختر علي السجادة الحمراء للتصوير وحسب ! مفاجأة لم يتم استثمارها كان أوليفر ستون هو أهم ضيوف المهرجان لكنه كان مفاجأة لم يعلن عنها إلا قبل الختام بيومين، فعلي ما يبدو أن إدارة المهرجان لم تتأكد من حضوره في وقت مناسب يكفل لها استغلال وجوده كضيف مهم يشرف ويدعم مهرجاناً وليداً، خاصة وقد عرض المهرجان أحدث فيلمين له »سنودن» و»محاورات بوتين» في الأيام الأولي، ليفاجئنا بوجوده في اليوم الأخير للمهرجان وحضوره حفل الختام دون ضجة تناسب مخرجا مخضرما حصل علي ثلاث جوائز أوسكار خلال مشوار طويل حافل بأهم الأفلام الأمريكية وأكثرها جدلا، ورغم الندوة الناجحة التي أقيمت معه إلا أنها لم تكن كافية أبدا لاستثمار وجوده بالمهرجان، وغياب نجوم وصناع السينما المصرية والعربية عن الندوة كان غريبا، والأغرب أن تدير الندوة صحفية أمريكية ومصر بها كثر ممن لديه القدرة علي إدارة حوار مع أوليفر ستون بداية من صناع السينما إلي النقاد وانتهاء بمدير المهرجان نفسه رغم أنه ليس مصريا، لكن كان أفضل كثيرا من أن يبدو المشهد وكأن مصر حديثة العهد بصناعة السينما والثقافة السينمائية فنستعين بخبير أجنبي ليدير لقاء مع مخرج كبير في مهرجان مصري، وهو ما تكرر مع فورست وايتكر وصناع الأفلام وللأسف كان هذا إحدي سلبيات المهرجان الذي تعامل بمنطق مهرجانات الخليج متناسيا أن مصر ليست دبي أو أبو ظبي فهي ليست حديثة العهد بصناعة السينما، وإنما لها تاريخ طويل وخبرات وقامات من العيب تجاهلهم.. وأعتقد أن ما حدث ترك انطباعاً سيئاً لدي ستون وكان سببا في تجاهله هو الآخر للمهرجان فلم يوافق علي إجراء حوارات معه ورحل سريعا ولم يهتم بذكر أي شيء عن المهرجان أو مصر في حسابه الخاص بتويتر أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي ! » فوتو كوبي» الجائزة اللغز ! علامات استفهام عديدة وضعتها لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة باختيارها للفيلم المصري »فوتو كوبي كأفضل فيلم عربي، فكانت الجائزة مفاجأة غريبة وغير متوقعة، والفوز غير مستحق مهما كانت الأسباب غير أن للجنة التحكيم ذوقها الخاص ولا نستطيع تغييره، وإنما نستطيع التعليق عليه، فالفيلم لا يعدو سوي سهرة تليفزيونية مملة إيقاعها بطيء، فكرة قديمة ليس بها جديد وسيناريو مرتبك لم ينقذه الصبغة الإنسانية التي أضفاها أداء محمود حميدة المخضرم واجتهاد شيرين رضا في تجسيد شخصية لا تناسبها، وكان ذلك أول أخطاء المخرج تامر عشري الذي لا أجد مبررا لاختياره شيرين رضا النجمة الشابة لأداء دور أم عجوز منهكة مصابة بالسرطان، حاولت هي استدعاء روح الشيخوخة ببطئها في الكلام والحركة لكنها لم تنجح في إخفاء بريق عينها وروحها وملامحها الشابة، ظل الفيلم يلف ويدور حول شعور محمود البطل العجوز الذي لم يتزوج بالوحدة وأنه مهدد بالانقراض مثل الديناصور لأنه لم ينجب، وهو تشبيه عجيب ظل يلح به علينا من خلال إلحاح البطل في معرفة لماذا انقرضت الديناصورات ولم يجب عليه الفيلم، ولم يختلف كثيرا مصير جارته صفية السيدة العجوز التي تزوجت وأنجبت رجلا فهي الأخري وحيدة وتعاني إهمال وجحود ابنها الذي يلقي بها في الشارع بمجرد أن يعرف برغبتها في الزواج، ويظل الفيلم تائهاً غير محدد حتي النهاية بزواج محمود وصفية، وتظل الجائزة لغزا، فلو كانت اللجنة تريد اختيار فيلم مصري وحسب كنوع من المجاملة فلماذا تجاهلت »الشيخ جاكسون» مثلا وهو مهما اختلفت عليه أفضل من »فوتو كوبي» ؟!!.. اختارت اللجنة الفيلم الجورجي »أم مخيفة» ليفوز بالذهبية وهي جائزة مستحقة لكن أداء بطلة الفيلم كان يستحق جائزة أفضل ممثلة بلا منازع فذهبت »للجزائرية» نادية كوندا بطلة الفيلم »المغربي» »وليلي» ولم تكن الأفضل، واختارت الفيلم اللبناني »القضية 23» لزياد دويري ليفوز بالفضية ولم تختره لأفضل فيلم عربي وهو يستحق (فنياً) أن يفوز بأفضل فيلم عربي لكن اللجنة أرادت أن ترضي كل الأطراف فكانت الجوائز بهذا الشكل المربك.