بدأ فعلاً تقسيم العراق. وأول جزء سينفصل عنه هو الجزء الكردي، فقد أعلن الأكراد أنهم سيجرون استفتاء لتقرير مصيرهم في سبتمبر الحالي. ورغم أن الرئيس العراقي رفض الفكرة، والجامعة العربية أيدته، إلا أن الزعيم الكردي مسعود بارازاني أعلن أنه لا يسأل أحداً عن رأيه، وأن الاستفتاء سيتم في موعده، والهدف هو الاستقلال. طبعاً قد تقاتل الحكومة العراقية من أجل عدم الانفصال، وقد تقاتل إيران معها، حتي لا تنتقل العدوي لأكراد إيران، وربما تحركت تركيا أيضاً، لأن الاستقلال يعتبر خطوة علي طريق استقلال الأكراد الموجودين في سوريا وفي تركيا، وهذا ما لا يريده الأتراك. لكن من المؤكد أن أمريكا سترحب بهذا الانفصال، لأن تقسيم العراق هدف استراتيجي لها، ومعناه مزيد من الاستقرار لإسرائيل. أما إسرائيل نفسها فستدعم الانفصال بالسلاح وكل ما تستطيع من خدمات، لأنها المستفيد الأول منه. لكن هذا التقسيم العرقي ( أكراد / عرب ) لن يكون هو كل شيء، فهناك التقسيم الطائفي ( الشيعي / السني ). وبوادره واضحة، أهمها أن ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، التي كان يجب أن تنضم إلي الجيش العراقي بعد انتهاء الحرب ضد داعش والتنظيمات التكفيرية، بقيت مستقلة عن الجيش، ورفض الرئيس العراقي حلها، مما يوحي بأن هناك نية لأن يكون الحشد الشعبي العراقي نسخة أخري من الحرس الثوري الإيراني، باعتباره تنظيماً عقائدياً مسلحاً يدين بالفكر الشيعي. وهذا مؤشر واضح علي أن العراق مقبل علي وضع يشبه الوضع الموجود في إيران من حيث وجود كتلة شيعية قوية وحاكمة ولها كل الحقوق، وكتلة سنية لا حقوق لها ولا مميزات، بل هم مواطنون من الدرجة الثانية. وربما كان الأمر يتضمن رغبة من حكام العراق في الانتقام من السيطرة السنية التي كانت موجودة أيام صدام حسين. وفي ضوء هذا فإن أهل السنة في العراق قد يفكرون في إنشاء دولة سنية لهم، وهكذا سيكون العراق قد انقسم إلي ثلاث دول : دولة كردية، ودولة شيعية، ودولة سنية. ومادمنا نتحدث عن الصراع السني الشيعي فينبغي ألا ننسي رغبات إيران التوسعية، وهي رغبات سياسية تتخذ من التشيع ستاراً، بمعني أنها تحت ستار دعم الشيعة تريد أن تثبت أقدامها في العراقوسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وتثير القلاقل في الكويت وشرق السعودية. لكنها تري أن السيطرة علي العراق هي الخطوة الأولي لاستعادة الإمبراطورية الفارسية، وقد عبر حسن روحاني عن هذا الوهم منذ فترة قريبة بقوله »أصبحت إيران اليوم إمبراطورية كسالف عهدها عبر التاريخ، لطالما كانت بغداد عاصمتها ومركز هويتها وحضارتها وثقافتها وستبقي كذلك ». باختصار نقول إن العراق مقبل علي مرحلة من الصراع المذهبي، ستلعب فيها إيران الدور الرئيسي. لكن السعودية طبعاً لن تسكت، إذ تعتبر نفسها حامية السنة في المنطقة، وبتحريض من الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تدخل السعودية حرباً ضد إيران، وأظن أن زيارة ترامب للسعودية، كانت تستهدف جمع تحالف سني في مواجهة إيران. أما أمريكا نفسها فلن تتورط في هذه الحرب، وسيكون دورها مقصوراً علي التزويد بالمعلومات وبيع الأسلحة. وأغلب الظن أن السعودية ستطلب من مصر، في حالة نشوب حرب شيعية سنية، أن تشترك معها في الحرب ضد إيران. ولو رفضت مصر الاشتراك في الحرب فستكون في خصومة مع السعودية، ولو وافقت فستكون أمريكا حققت أقصي فائدة لنفسها، لأنها ستكون رمت أقوي دول المنطقة ببعضها، وتضعف الكل، وتبيع السلاح للجميع، وبذلك تضمن لإسرائيل أن تبقي بمأمن في ظل صراعات الدول الكبري بالمنطقة. باختصار، خروج داعش من العراق لن يكون نهاية المطاف، بل سيكون بداية صراعات عرقية وطائفية لا حد لها داخل العراق نفسها، وفي المنطقة كلها، وسيكون الأكراد وإيران لاعبين رئيسيين في مرحلة ما بعد داعش.