أفكارهم المبدعة وتضحياتهم الكبيرة هي التي شكلت قصة نجاح ثورة فلاول مرة، وعلي غير المتوقع، استطاع شباب وفتيات مصريون لم تتجاوز اعمارهم عقد العشرينيات، ان يسقطوا نظاما استبداديا وبوليسيا حكم بالحديد والنار والاعتقالات البلاد لمدة ثلاثين عاما. يقول محمد مصطفي: في يوم 52 يناير، كان التاريخ علي موعد مع يوم غير عادي، يوم يستحق التدوين والتسجيل والتصوير،حيث بدأت تتسع شرارة المواجهة الجماعية لنظام مبارك منذ بداية الوقفة السلمية في ميدان التحرير لمجموعات من المتظاهرين تطالب بالاصلاح السياسي والاقتصادي واقالة حكومة احمد نظيف. خرج مصطفي وشلته الثورية الصغيرة من بيوتهم استجابة لدعوة علي الفيس بوك للمشاركة في مظاهرات الاحتجاج. يقول مصطفي: في هذا اليوم اتفقت مع اخي احمد طالب بكالوريوس صيدلة وابن خالتي شريف الطالب بفنون تطبيقية علي اللقاء في ميدان التحرير للتظاهر والانضمام للشباب وبالفعل خرجت من المنزل بمصاحبة زميلي وبعض الاصدقاء، في مظاهرة قامت من الهرم في اتجاه ميدان التحرير حيث تجمع المتظاهرون، كان قد تم اغلاق كل الكباري بما فيها كوبري قصر النيل، واضطررنا لركوب مركب نهري للوصول لميدان التحرير، وجلسنا في الميدان حتي منتصف الليل، ثم عدنا للمنزل لانه كان عندي امتحان في اليوم التالي، وطوال الايام الثلاثة التالية كنت اتناوب واخي وابن خالتي التواجد في ميدان التحرير مع المعتصمين، حتي كان يوم جمعة الغضب، حيث اتفقنا ثلاثتنا علي الصلاة في اماكن قريبة من ميدان التحرير، والتوجه عقب الصلاة الي الميدان. وبعد انتهائي من الصلاة عند توجهي للميدان حسب الاتفاق مع اخي، وبالقرب من جامع عمر مكرم، فوجئت بأحد ضباط امن الدولة يسألني فجأة: إلي أين انت ذاهب؟ فقلت له: انا ماشي في بلدي، ووجدت نفسي محاطا بمجموعة من المخبرين يقذفون بي بعنف في ميكروباص ازرق اللون تابع للامن المركزي ظهر فجأة من حارة جانبية. وفي هذا الميكروباص يوجد ضابطان أمن دولة. وكان الميكروباص كل فترة يرجع بعنف للخلف لنجد معتقلا جديدا يقذف به داخله، حتي تكدس الميكروباص بعدد كبير من المعتقلين وتحول الي علبة سردين . ويضيف مصطفي: بعد امتلاء الميكروباص تحرك وتم انزالنا في معسكر تدريب تابع للامن المركزي وقام الضباط بالتفتيش الذاتي لنا واخذوا اجهزة التليفون المحمول والكاميرات التي كانت مع المعتقلين الذين اعتقد ان اعدادهم تجاوزت الخمسة آلاف معتقل، بينهم رجال عواجيز كانوا غير قادرين علي الحركة والمشي، وتم حبسنا في غرف سجن العساكر، واستمرت مدة اعتقالي في هذا المكان 61 ساعة مرت علي كأنها دهر. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمعنا الضباط يقولون انه قد صدرت اوامر لقوات البوليس بالانسحاب في هذا اليوم، بما فيها الانسحاب من السجون، وقام الضباط بتجميع العساكر في سيارات للامن المركزي معهم للهروب، وتركونا داخل الزانزين، وحاول المعتقلون الخروج دون جدوي، ولكن حدثت المفاجأة، حيث ترك احد الجنود زنزانة غير محكمة الغلق، وتمكن من فيها من الخروج، وساعدوا بقية المعتقلين في الخروج. ويقول مصطفي انه واصدقاءه وشلته الصغيرة من اخيه وابن خالته واصدقائه كانوا مقتنعين بضرورة تغيير مصر. واخيرا يقول مصطفي: ان هذه الثورة كانت ايضا ردا علي ما كان يطلقه اعوان النظام وجمال مبارك الذين كانوا يتهمون الشباب الذي خرج يطلب بالتغيير بأنه شباب عاطل، ويريدون زعزعة النظام، والواقع ان الشباب الذي خرج كان يطالب بالكرامة والحرية والقضاء علي الفساد ونحن نعلم ان القضاء علي الفساد لن يتم في يوم وليلة، خاصة ان اعوان النظام مازالوا موجودين ويسعون الي القضاء علي الثورة، ولكننا لهم بالمرصاد للدفاع عن الثورة، ونؤكد لهم ان الثوار الذين خرجوا واسقطوا النظام سيدافعون عن الثورة حتي تحقق اهدافها، وان دماء الشهداء لن تذهب هباء ابدا .