»أن تأتي متأخراً أفضل من ألاتأتي» ابدا هكذا علمتنا السياسة،أقول هذا في وصف محاولات استعادة العراق لمحيطه العربي،التي تبذلها دول مثل السعودية والخليج ومن قبلها مصر، وعلينا أن نعترف أن العالم العربي اخطأ بعد ابريل 2003،وسقوط نظام صدام حسين، عندما تعامل مع العراق علي أنه محمية أمريكية، دون إدراك بان واشنطن لاتملك من الخبرات السياسية، ولابمعرفة حقائق الوضع في المنطقة، فسقط العراق» ثمرة ناضجة» في يد الجار المتحفز لاستثمار اي فرصة للسيطرة علي العراق، ونقصد بها ايران والذي نجح مع الأيام في التحكم في مفاصل الدولة العراقية، وإدارة شئونها في غياب عربي مُلفت. وأخطأ العالم العربي مرة ثانية، عندما انتهج سياسات تركت الفرصة سانحة لإيران لتنصب نفسها دون اي جهد، راعية وكفيلة للشيعة العرب وراعية مصالحهم، وعندما استثمرت طهران الأزمات العربية واحدة تلو الأخري، لتصبح رقما لايمكن تجاوزه،وعاملا أساسيا في تلك المشاكل، حتي وصل الامر إلي تنطع أحد مسئوليها ليقول في صلف وغرور، ان بلاده تتحكم في مصير اربعة عواصم عربية حددها بالاسم،دون اعتبار لسيادة تلك الدول او طبقتها الحاكمة،وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. دون ان يحتج أي منها، ناهيك عن دورها المخرب عن طريق دعم جماعات ارهابية وتدخلها في دول عربية مثل البحرين والسعودية والكويت. ومن هنا تأتي أهمية تصحيح مسار السياسة العربية، والذي بدأ منذ أشهر، تجاه استعادة العراق إلي دوره في المنظومة العربية،بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلي بغداد في فبراير الماضي، والتي مثلت جهدا سعوديا في هذا الاتجاه،حيث بدأت بعدها تبادل الزيارات علي مستويات مختلفة، ومنها زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلي الرياض، والاتفاق علي تشكيل مجلس تنسيق بين البلدين،الذي أقره مجلس الوزراء السعودي في جلسته الاخيرة الاسبوع الماضي، بالاضافة إلي وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، ودخلت البحرين علي خط الزيارات حيث حل وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة إلي بغداد. لم يتوقف الامر عند حد تبادل الزيارات علي الصعيد الرسمي، بل تعداه إلي ابعد من ذلك بالزيارتين المهمتين اللتين قام بهما الزعيم الشيعي مقتدي الصدر إلي كل من جدة، حيث لقي استقبالا سعوديا حافلا ولقاء مع ولي العهد محمد بن سلمان، وأعقبها زيارة أخري إلي أبو ظبي، واللقاء الذي عقده مع الشيخ محمد بن زايد نائب حاكم أبو ظبي، مما مثل رؤية خليجية موحدة للانفتاح علي المكون الشيعي في العراق، وهو ماكشف عنه أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية. والصدر أحد الرموز الشيعية التي تحظي بشعبية كبيرة في العراق، كما انه منحاز إلي محيطه العربي، ولاينظر إلي الدور الايراني في بلاده بارتياح،كما انه ليس من المحسوبين من الطبقة السياسية علي ايران، مثل آخرين وفي مقدمتهم نوري المالكي مثلا، وهي خطوة غاية في الأهمية، بعيدا عن التصور الخاطئ بان شيعة العراق هواهم ايراني، والدليل علي عدم صدق تلك المقولة، المظاهرات التي شهدتها مدن الجنوب العراقي، حيث الأغلبية شيعية ضد تدخل ايران في الشأن العراقي،وضد دور قاسمي سليمان المخرب في مسيرة العمل السياسي العراقي. ولعل هذا الحراك يصب في اعادة النظر إلي ملف لم يكن يحظي باهتمام، او لم نتعامل معه بحكمة، وسبق لي أن تناولته في مقال منذ أشهر، ويتعلق بالشيعة العرب، وهم موجودون في عدد من الدول العربية خاصة الخليجية ولبنان وسوريا واليمن، حيث استطاعت ايران في غفلة من الجميع، تجنيد عناصر محدودة منهم، وأصبحوا كما لو كانوا »حصان طروادة» للتدخل في شئون تلك الدول، بينما الواقع يؤكد أنهم - أي الشيعة بصفة عامة - مواطنون عرب، لهم كل الحقوق وعليهم كافة الواجبات، فالخلاف هنا ليس علي المذهب الشيعي، كما أوضح تامر السبهان الوزير السعودي المسئول عن شئون العلاقات مع دول دول الخليج، عندما أشار إلي » التفرقة بين المذهب الأصيل ومذهب الخميني المتطرف »،الخلاف حول مبادئ مثل تصدير الثورة الذي انتهجته ايران منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، علي فكرة التدخل في شئون الدول العربية، بحجة حماية حقوق الشيعة العرب، علي فكرة اثارة حالة من التوتر والصراعات في العديد من الدول.