لكي تستحق الثورة ان تسمي ثورة، فانها ينبغي ان تفتح الطريق للتقدم والازدهار، واحترام الانسان وكرامته، وان تقترن بنهضة علمية وثقافية وحضارية. والثورة تعني انبثاق مفاهيم جديدة للعلاقات السياسية والقانونية والاجتماعية بين افراد المجتمع الواحد، علي رأسها مفهوم المواطنة، لكي يجد كل فرد من ابناء المجتمع نفسه مساويا في الحقوق والواجبات لكل فرد آخر بصرف النظر عن طائفته ودينه ومذهبه ولونه وجنسه ومعتقداته ومركزه الاجتماعي. ومن البديهيات المعروفة انه لا ديمقراطية حقيقية بدون احترام للمواطنة. ولما كانت الثورات تؤدي الي قيام انظمة تحترم حقوق الانسان والانتماءات المختلفة لابناء المجتمع.. فان هذه الثورات تفترض تحولا اساسه العقل يدفع بالتفكير السائد نحو الامام في شكل قفزة كبري، وليس العودة الي الوراء، الي عصور الظلمات او ان نظل في مكاننا »محلك سر«. ولا معني للثورة اذا اقتصرت علي تغيير رأس النظام دون ان تحدث انقلابا في بنية النظام القائم. ومن هنا يمكن القول ان ما شهدته مصر من اشتباكات طائفية خطيرة يشكل طعنة مباشرة لمباديء واهداف وطموحات ثورة 52 يناير. فالثورة لا تعني العودة الي شريعة الغاب، ولا تعني الفوضي وتمزيق النسيج الوطني واهدار القانون والغاء الدولة واحراق دور العبادة والممتلكات الخاصة. وما يجري من فتن طائفية متنقلة يشوه الوحدة الوطنية التي عبرت عنها وجسدتها الثورة في ارقي اشكالها. ولكن يبدو ان هناك من يريدون استخدام التنوع الديني ليكون ورقة لاشعال الصراعات داخل المجتمع الواحد.. وهناك من يرون في استعادة الحق في حرية الرأي والتعبير.. فرصة للاعتداء علي من يخالفونهم في الدين. والحاصل ان الشائعات او حكايات ليست لها صلة بأي قيم سياسية او اجتماعية او انسانية او اخلاقية.. تقف وراء الهجوم علي دور عبادة ويتكرر الهجوم كلما تكررت الشائعات!. واذا كانت ثورة 52 يناير قد اتاحت الحرية للجميع، فان هناك فئة ضالة لا تستحق هذه الحرية، ومع ذلك فانها تدعي ان الثورة.. ثورتها، وتجعل من هذه الثورة مناسبة للافصاح عن غرائزها وميولها الهدامة. وقد اصبح التساهل ازاء مرتكبي الجرائم الطائفية، بشكل خاص، ينذر بكارثة، وخاصة انهم كانوا ادوات اجهزة الامن في ظل النظام السابق.
ولما كانت الثورة المصرية قد احدثت تحولا استراتيجيا في التوازن الاقليمي يمهد الطريق امام حضور مصري فعال. ولما كانت شعوب المنطقة تتطلع بلهفة الي دولة الحرية والمساواة والحقوق والواجبات، والي نظام يحترم الحريات السياسية والدينية والثقافية.. فان اعداء مصر الذين اصابهم الرعب من تحول هذا البلد بعد ثورته الي قاطرة التغيير نحو الديمقراطية في العالم العربي، خططوا لكي يتحول الي بوابة للتمزق والتفتيت الذي لن ينجو احد من شروره. اراد اعداء هذا البلد وقف عجلة التاريخ واعادة الناس قرونا الي الوراء، وقرروا اسقاط هيبة الدولة والقانون. ثمة تيارات تمارس تكفير كل من يخالفها الرأي وتضعه خارج الملة والدين. واصبح تقديم تنازلات في غير محلها لارضاء الجميع يشكل تهديدا للثورة ولمصر ولم يعد هناك مجال للقول بان المجلس الاعلي للقوات المسلحة »يدير ولا يحكم« في وقت تقف فيه الحكومة عاجزة في وجه »الفلول« و»البلطجية« والمتطرفين وسط حالة من الفوضي. وفي ظل اوضاع لا تنذر بمستقبل واعد، بل تضع البلاد فوق سطح صفيح ساخن.. فان الواجب يملي علينا تأسيس ائتلاف مدني ديمقراطي للحفاظ علي الدولة المدنية ليكون اطارا موحدا تتحد حوله القوي الوطنية الديمقراطية في بلادنا. هذا هو التحدي الاكبر في معركة التغيير.
هناك في الغرب من يريدون اغراق مصر والعالم العربي في فوضي عارمة تفتت الشعوب الي مكوناتها الاولية وتعيدها الي ما قبل مفهوم الشعب ومفهوم الدولة. والقلق يسود دول الغرب ازاء حركات الشعوب وطموحاتها الديمقراطية والوطنية وتزداد شراسة هذا الغرب الان في تحريضه علي كل اشكال النزاع التي تمهد له سبيل اعادة صياغة المنطقة علي النحو الذي يريده بحيث يكرس ضعف الامة ويضمن حرمانها من مقومات وعناصر قوتها. ويدعم الغرب تيارات تستهدف خلخلة الانظمة الجديدة التي تشرع مصر وتونس في اقامتها، ويسعي الي تطويعها. وهناك قوي اجنبية في الغرب تحرض علي التوتر الطائفي والمذهبي في اكثر من دولة، وتحاول جذب عناصر متطرفة في كل مكان الي دائرة التعاون معها وكبح جماح المسار الديمقراطي التقدمي السلمي في مصر وتونس.. حتي لا يتحول الي نموذج عربي شامل. وهناك العديد من الدراسات في الولاياتالمتحدة التي تركز علي ضرورة اعتماد السياسة الامريكية علي التقسيمات الطائفية لزعزعة الاستقرار وتفجير مواجهات عنيفة في الدول العربية تؤدي الي تفكك الدولة لكي تحل محلها دويلات طائفية وعرقية. ولسنا في حاجة الي القول بأن الهدف من وراء هذه الخطط هو تبرير.. طلب اسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية في ظروف تجعل الاساس الوحيد لوجود دويلات اخري في المنطقة هو الدين، وليس الانتماء الوطني، وفي نفس الوقت، فان الهدف هو توسيع رقعة المشاكل والنزاعات الداخلية، سواء دينية او قومية او عرقية، لاشغال العالم العربي وشعوب دول المنطقة بالمشكلات الداخلية المستجدة لديهم والمشاحنات الطائفية وتقسيم ما سبق تقسيمه اصلا، وتجزئة ما سبق تجزئته، حتي تصبح القضية الفلسطينية بعيدا عن اهتمامات الشارع العربي وعندها تستطيع اسرائيل ان تشعر بالاستقرار والامان. ولا يعترض الامريكيون علي اي مشروع سلطوي في اي دولة عربية، ويتجاهلون التنوع الديني في العالم العربي. وكل من اجتمعوا مع السفيرة الامريكية في بيروت »مورا كونيللي« خرجوا بانطباع يتلخص في ان التوجه الامريكي هو اعطاء دور اكبر لجماعة دينية لكي تشارك في الحكم في سوريا، بدعوي انها »معتدلة« دون ان يحددوا معني »الاعتدال« ودون وجود اية مؤشرات حول ما اذا كان هذا »الاعتدال« سوف يستمر وما الذي يضمن تحوله، في الوقت المناسب، الي تطرف وغلو متشدد.. واعمي ومدمر!!. مرة اخري فان الائتلاف الوطني الديمقراطي للدفاع عن الدولة المدنية الديمقراطية.. ضرورة عاجلة انه كلمة السر في الدفاع عن الثورة وحمايتها.