الجدل - ونحن في أمس الحاجة الي تجنب هذا الأداء الذي تحول الي ظاهرة عامة في مختلف أمور وشئون الحياة في المجتمع المصري بجميع كوادره ومؤسساته - هذا الجدل الذي أثير أخيرا حول اقتراح بقيام رجال الشرطة بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين، وهو الاقتراح الذي اثار الحراك داخل مجلس الشعب، ومنه الي مجلس الشوري، ومن بعد المجلسين الموقرين انتقل النقاش الي الامانة العامة للحزب الوطني.. والله أعلم الي أين بعد ذلك؟ ولو أنني علي يقين بأنه من الممكن - بل ومن الواجب ومن الضروري - ان نتجنب ونجنب الجماهير هذا الهزر في شئون الأمن القومي الذي هو قدس الأقداس في أي دولة.. كبري كانت أو في منتهي الصغر. ويقيني هذا ينبع من أنني بدأت حياتي الصحفية محررا عسكريا لصحيفة الأهرام، وهو الموقع الذي ما زلت، وسأظل، أعتز به حتي يوم الدين بسبب ما تزامن مع هذه الحقبة من احداث تاريخية حاسمة وفاصلة في تاريخ هذا البلد العريق، وأثناء ممارسة هذا العمل كنت اسمع وأشاهد العديد من الأحداث والمستجدات التي تصلح لأن تكون الموضوع الرئيسي، أو »المانشيت« لأي صحيفة ولكن لم أكن استطيع ان أنشر ولو حرفا واحدا بدون الحصول علي موافقة جهاز الأمن الحربي، وبدون هذه الرقابة الصارمة كان يمكن الوقوع في أخطاء تهدد الأمن القومي للبلاد. وفي تصوري المتواضع ان الأمن الداخلي للدولة لا يقل أهمية عن الدفاع عن الدولة ضد التهديدات الخارجية، ومن ثم أتصور ان جميع الأخبار والموضوعات التي تتعلق باداء جهاز الشرطة لابد وان تخضع - شأنها شأن القوات المسلحة - الي رقابة خبيرة وواعية تجيز النشر في وسائل الاعلام، حتي لا تتحول المسائل الي »سداح مداح«! وفي هذا السياق، وعلي سبيل المثال وبعيدا عن اقتراح اطلاق الرصاص علي المتظاهرين، فإنني أري في الأخبار والموضوعات التي نشرت خلال الأسابيع الأخيرة عن اعتداءات بلطجية الميكروباص علي رجال الشرطة.. هذه الوقائع تنال من هيبة هذا الجهاز الأمني الحيوي، وكان ينبغي حظر نشرها، فنحن، مثلنا مثل أي مجتمع في أمس الحاجة الي هيبة هؤلاء الرجال وتعزيز مكانتهم.. تعزيزا لوجودنا ذاته.. هذا اذا كنا نعي، ونهتم بهذا الوجود، أما ما هو خلاف ذلك فهو من قبيل الهراء، ومضيعة الوقت.