عدة استراتيجيات أعدتها دار الإفتاء المصرية للتعامل مع أزمة التطرف والمتطرفين وإعادة تأهيل المتطرفين العائدين يوضحها الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية والمشرف علي مرصد الدار للرد علي الفتاوي التكفيرية والآراء المتشددة. قال نجم في تصريحاته ل»الأخبار» إن تعامل الدار مع مشكلة التطرف والإرهاب يستند إلي الاستفادة من الجهود العلمية العالمية في هذا المجال ومن خبرات سابقة للتعامل مع هذه المشكلات مشيرا إلي أن العمليات الإرهابية المدعومة من تيارات متطرفة تلتحف بعباءة الدين، تستوجب تنفيذ استراتيجية مواجهة تجمع بين الهجوم السريع العاجل الهادف لمحاصرة وتفكيك خطر الإرهاب والتطرف، وبين جانب دفاعي ممتد دائم يستبق العمليات الإرهابية للوقاية من مخاطرها. ودعا نجم إلي أهمية استقراء التجارب الدولية والإقليمية والاستفادة منها لحل المشكلة من جذورها موضحا أن هناك استراتيجيات سريعة وعاجلة تستهدف العناصر المتطرفة، في طور تنفيذ العمل الإرهابي، واستراتيجات طويلة المدي تستهدف تجفيف منابع التطرف ومحاصرته ومنعه من الانتشار من خلال برامج تربوية وتنموية وإجراءات قانونية واجتماعية. وقال هناك عدة آليات في إطار مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف وهي: استشعار الإرهاب، وتوفير الشريك المجتمعي، والحواضن المجتمعية، والمحتوي البديل علي الإنترنت، حيث تقترح الدار إنشاء كيان رسمي يتولي استشعار التطرف والتحذير منه، وذلك علي مستوي الأفراد والمنظمات والهيئات والمطبوعات والإصدارات والإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، وتضم تلك الهيئة ممثلين عن المؤسسات الدينية ووزارات : الداخلية، والتربية والتعليم والتعليم العالي والتضامن الاجتماعي وتكون مهمته متابعة ورصد السلوكيات والتصرفات والكتابات التي تميل للتطرف وتدعوإليه، سواء علي مستوي الأفراد أوالهيئات أوعلي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلي المطبوعات والكتيبات التي يتم توزيعها، هذا بجانب متابعة خطابات الدعاة والوعاظ بالأزهر والإفتاء والأوقاف لرصد ملامح الخطاب الديني المعتمد لدي القيادات الدينية. شريك مجتمعي وأكد ضرورة العمل علي وجود شريك مجتمعي فعلي محدد في مواجهة الإرهاب والتطرف من خلال تأهيل وتدريب عدد من الأئمة والشباب والمفكرين وقادة الرأي ليشكلوا فريقًا يمكن أن يطلق عليه »الشريك المجتمعي» يقوم بأدوار المناصحة والمراجعة للأفراد المحتمل تطرفهم، ولعب دور تنويري وتوعوي، وفي حالة فشله في إقناع الفرد بترك التطرف والعنف، يمكن مراجعة الجهات الأمنية لاتخاذ التدابير اللازمة لمنعه من ممارسة العنف وحماية المجتمع من احتمالات تعرضه لأعمال تخريبية، وقد طبقت المغرب هذا البرنامج وحققت معدلات نجاح كبيرة. وأكد ضرورة توفير حواضن اجتماعية مضادة للإرهاب والتطرف في مواجهة تلك الحواضن الداعمة له؛ لأن عملية فك الارتباط بين الفرد المحتمل تطرفه والفكر المتطرف تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه لا بد أن تتبع بخطوة خلق حاضنة بديلة لهذا الفرد حتي لا يصاب بالانتكاسة ويعود من حيث بدأ، ومن هنا تنبع أهمية الحاضنة البديلة، وهي تلك البيئة الاجتماعية والدينية التي يتم دمج الفرد المحتمل فيها بديلا عن البيئة المتطرفة التي جذبته في السابق، وتتطلب هذه الاستراتيجية: تأهيل القيادات الدينية ودعمها لإقامة أنشطة وكسب عقول الشباب حول المساجد. وتكوين تجمعات شبابية قريبة من إمام المسجد علي أن يتم تأهيلها لتكون نواة للاعتدال والقيم السمحة، بحيث تمثل تلك التجمعات الحواضن البديلة للشباب العائد من التطرف. وتشجيع ممارسة أنشطة دينية في مراكز الشباب والمدارس والجامعات؛ لتستوعب الطاقات الدينية للشباب من خلال ندوات ومسابقات دينية وثقافية تحت رعاية الجهات المختصة. وطالب بالتنسيق مع شركات محركات البحث علي شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لجعل المحتوي المعتدل أسهل وأيسر في الظهور بديلًا عن المحتويات المتطرفة التي تنتشر علي شبكات الإنترنت، وقد نجحت في هذا المجال العديد من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع شركات التكنولوجيا العملاقة. تشريح بناء الإرهابي وأوضح د. ابراهيم نجم أن الاستراتيجية تتضمن لمواجهة التطرف والعنف والأفكار التكفيرية إطلاق مشروع »تشريح دورة بناء الإرهابي» والذي يهدف إلي تشريح عقلية المتطرف ونفسيته والتداخل مع المؤثرات التي يتعرض لها ويتأثر بها؛ سعيا لوقف تسلسل تلك المراحل التي تؤدي بالمتطرف إلي التحول إلي عنصر إرهابي يسعي إلي الإضرار بالغير، وذلك للخروج بدليل إرشادي يحتوي علي إجابات محددة وواضحة فيما يتعلق بكيفية تشكيل العناصر الإرهابية وتكوينها، والمراحل التي يمر بها المتطرف بداية من التشدد وصولا إلي العنف والتفجير، وكيف يمكن وقف تلك المراحل، والأدوات الضرورية للتصدي لكل مرحلة، والخيارات المطروحة للتعامل مع المتطرفين والتكفيريين. وأضاف أنه يتم بناء وتكوين مكتبة إلكترونية ضخمة عن التطرف والإرهاب باللغتين العربية والإنجليزية، تضم أحدث الإصدارات وتقارير مراكز البحث الأجنبي المختصة بمعالجة التطرف والإرهاب، وكافة الإصدارات والكتب والمقالات والمواد الصوتية والفيديوهات الصادرة عن الجماعات المتطرفة والإرهابية في مصر وخارجها، لتكون عونا علي فهم التطرف فكرا وسلوكا، ومن ثم التعامل الصحيح معه مشيرا إلي أن دار الإفتاء أنجزت موسوعة لقضايا التكفير باللغتين العربية والإنجليزية تتناول كافة المواضع والقضايا والشبهات التي تستند إليها الجماعات المتطرفة، وترد عليها بأسلوب علمي وشرعي رصين، وسوف تطبع منتصف شهر يوليوالجاري. وأعلن أنه في سبيل تحديث تكتيكات مواجهة التطرف وتطويرها لمواكبة تطوراته المتلاحقة، أنشأت دار الإفتاء المصرية، بقرار من د. شوقي علام مفتي الجمهورية، وحدة تكنولوجية متخصصة لإنتاج أفلام رسوم متحركة وقصيرة لبلورة ردود قصيرة علي دعاة التطرف والإرهاب في قوالب تكنولوجية حديثة تمكنها من الوصول إلي الشرائح المتعددة، خاصة فئات الشباب، وترد علي الدعاية المضادة والمضللة من جانب الجماعات المتطرفة التي تنشط في مجالات التكنولوجيا والتصوير. وطالب نجم المجتمع الدولي بتبني استراتيجيات عاجلة وفعالة لإعادة تأهيل المتطرفين وفقًا للثوابت الوطنية والإجراءات القانونية وإقناعهم بالتخلي عن أفكارهم المتطرفة في صورة جديدة للمراجعات التي حدثت مع تيار الجماعة الإسلامية في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وحققت نجاحا واضحا في تخلي أغلبهم عن العنف. استراتيجية للمراجعات وقال إن هناك عدة استراتيجيات للمراجعات التي يمكن تنفيذها في التعامل مع المقاتلين المتطرفين العائدين إلي بلدانهم، ومنها استراتيجية »فك الارتباط من الجماعات المتطرفة»، وتستهدف الأفراد الذين ينأَون بأنفسهم عن الانضمام إلي الجماعات المسلحة إلا أن ولاءهم لأفكار تلك الجماعات ومعتقداتها متجذر في أعماقهم، إضافة إلي استراتيجية »إعادة التأهيل» وتستهدف الأفراد الذين أنهَوا علاقتهم التنظيمية بالجماعات المتطرفة وتخلَّوا عن أفكارها. وأكد ضرورة العمل علي تطوير شراكات تدريبية مع المؤسسات الخاصة؛ لتوفير فرص العمل والتدريب والتوظيف لهؤلاءالسجناء بعد الإفراج عنهم بهدف إعادة دمجهم مرة أخري في المجتمع والحد من احتمالية عودتهم إلي جماعات التطرف والإرهاب وكذلك توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية، واستهداف العناصر المتطرفة عقب إطلاق سراحهم، خاصة أن غالبيتهم من حملة الشهادات الدراسية المتوسطة والعليا، والعمل علي حل مشكلاتهم ومساعدتهم في التعامل مع احتياجاتهم النفسية والعقلية والروحية والمادية قدر الإمكان؛ ليتمكنوا من التعايش مع المجتمع وهوأمر يتطلب مساهمة كافة قطاعات المجتمع لضمان اندماجهم في أنشطة تستوعب طاقاتهم، لأن بقاءهم دون عمل يشكل تهديدا باحتمالية عودتهم مرة أخري للانخراط في الجماعات المتطرفة، تحت ضغط الحالة المادية. وأوضح أن المراجعات الحديثة تختلف عن سابقتها قديما حيث يجب أن يشارك فيها متخصصون في علوم الصحة النفسية والعلوم السياسية وأساتذة اقتصاد وخبراء اجتماع، إضافة إلي علماء دين، مع الوضع في الاعتبار متابعة نتائج تلك المراجعات لسد الثغرات إن حدثت، والبناء علي الإيجابيات المتحققة، وجمع تلك النتائج وما سبقها من مقدمات في أبحاث يتم تصديرها لدول العالم للإفادة من الجهود المصرية في محاربة سرطان الإرهاب الذي امتد إلي جميع دول العالم.