رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»مالك الحزين«.. الشهير بالروائي إبراهيم أصلان يفتح قلبه ل » ألأخبار « :
المصريون قهروا الخوف في ثورة 52 يناير »الطواقي« الجاهزة والطرابيش المصنوعة سلفاً تحوم حول الأدمغة.. فاحذروها!

عرفنا »مالكاً الحزين« طائرا مصريا ينطق بالحكمة في حكايات »كليلة ودمنة«، وظل الطائر أسيرا في قفص التراث حتي أطلقه صاحبنا، وحمله علي متن إبداعه المحلق ليصل إلي أقاصي أعماق الوجدان العربي حيث تحول مالك الحزين إلي لحم ودم مصري يبث شكاوي إحباطه وتباريح أحزانه وصرخات جروحه إلي مقام العدالة المتوارية الغائبة والتي يؤمن الضمير دائما بأنها قادمة ولو طال الزمن، وبعد المدي، وهكذا استعاد أديبنا الفذ إبراهيم أصلان- الذي شبهه بعض النقاد بعبقري القصة الروسية أنطون تشيخوف - ذلك الطائر الحبيس وأطلقه من أسر قفص الحكايات التراثية إلي رحابة الفضاء الإنساني المعاصر في رائعته »مالك الحزين« التي تحولت إلي فيلم أخاذ حمل اسم »الكيت كات«..
ولأن إبراهيم أصلان مبدع حقيقي ملأ الدنيا كتابة جميلة وآراء جريئة- صادمة- أحياناً.. جاء إصرارنا علي لقائه وإجراء حوار معه رغم تعرضه لوعكة صحية استمرت أسابيع.. إلا أننا أكدنا له استعدادنا لانتظار تمام شفائه، وأمام إصرارنا جلس »أصلان يسعل ويستعد للاجابة عن الأسئلة التي تقدمها سؤالنا الآتي:
في لقاء لك مع موقع »صوت ألمانيا« »الدويتش فيله« علي شبكة المعلومات الدولية »الانترنت« بمناسبة عيد ميلادك الخامس والسبعين: في مارس من عام 0102 قلت بالحرف الواحد: مصر تحولت إلي شيء كئيب، والتوريث قادم، فما رأيك الآن؟
عندما تحدثت عن التوريث كنت أشير إلي النشاط المحموم في هذا الاتجاه، أما الكلام عن الاكتئاب، فقد كان ذلك في سياق حالة الاشارة إلي ملامح الناس التي تبدلت من حولي، كنت أتحدث كيف انني قضيت عمري سهران ما بين كتبي طيلة الليل، وحدي أو برفقة أصدقائي، وكيف تتناهي إلينا ضحكات الخلق من بعيد، رجال ونساء وقهقهات حرة ترتفع بلا وجل، هكذا كان الناس، كنت أقول ذلك في اشارة لانحسار البهجة، وكيف اكفهرت الوجوه، وافتقدت سماع الضحكات سواء كان ذلك في الليل، أو النهار، وعندما تفقد مصر قدرتها علي المرح، لا تعود »هي« أبدا، أنا آمنت بنجاح الثورة لحظة شاهدت تلك اللوحات المرحة التي حملها الشباب علي صدورهم في ميدان التحرير، أدركت فورا أن مصر عادت، هذه سمة لا يتمتع بها شعب آخر علي وجه الأرض، وهي دلالة علي قدر هائل من الغني الروحي، اليوم أنا أظن أن الوجوه انبسطت وانسحبت عنها الكآبة والوجوم، وصارت أكثر تطلعا وأملاً، صحيحا أنها أفسحت مكانا للقلق الذي ينتابنا جميعا مراوحة الأمور بين هنا وهناك، لكننا نقول هذا الكلام عقب احتجاز الرئيس السابق وولديه، وهو أمر يرسي قاعدة لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر، من الآن وإلي الأبد.
زيارتان للميدان
وكيف جاءت مشاركتك في ثورة يناير؟
أنا أعتبر نفسي شاركت في الثورة مشاركة كاملة، وأدعو كل مواطني مصر ان يعتبر نفسه هكذا، ولا يليق لنا أن نستبعد إلا من استبعدوا أنفسهم، وبذلوا ومازالوا يبذلون كل طاقتهم من أجل تعويقها، وأنا لم أذهب إلي الميدان سوي مرتين، آلام قدمي منعتني من ذلك، وهي مسألة جدية لدرجة أنني اعتذرت عن عدة دعوات سفر للخارج لانه لا معني أبدا أن تسافر إلي بلد، ولا تتمكن من التجول فيه، وعلي العموم أنا أدعي ان تفصيلا واحدا في الميدان لم يفتني، في حدود ما هو متاح لرجل يتابع من موقعه فوق »الكنبة«، عموما أنا علاقتي قوية بالشباب، ولا يوجد لدي، علي المستوي الشخصي أي احساس بالزمن وبالتالي يمكنكما القول انه ليس هناك رجل »عجوز« لكن رجل متعب.
طواقي و»طرابيش«!
يري بعض الملاحظين لما حدث ان ثورة الشباب كانت بلا قيادة، فهل تري في هذا عيباً أم ميزة؟
بالعكس، أكاد أظن أن عدم وجود قيادة واحدة كان أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الثورة، هذه مجموعات وليست مجموعة واحدة، والمؤكد ان كل مجموعة كانت متوافقة مع أفكارها وقناعاتها، نحن مجتمع »أبوي« واعتاد كل واحد أن يفكر بدلا من الآخرين، ويحلم بدلا منهم، وليس منطقيا أن أحلم بدلا منك، مثلا، وأتوقع منك ان تبذل جهدك لتحقيق أحلامي لك »!!« ولكن الطبيعي ان تفكر كل جماعة لنفسها، وتحلم لنفسها، لكي تسعي إلي تحقيق هذه الأفكار، وتلك الأحلام، ولكن مجمل هذه الأفكار والأحلام تخص كل الناس في سعيها نحو مجتمع أكثر عدلا يحقق لهم حريتهم، ويصون كرامتهم، والشباب استثمر التقنيات الحديثة المتاحة للتواصل، ولكنهم عثروا علي النغمة الصحيحة التي تجاوب معها الناس وتحركوا معها، إنها الايقاعات التي تفاجئك - ومعذرة للتشبيه- التي تفاجئكما، ولا تملكان إلا أن ترقصا معها، مهم جدا، ألا نفكر بدلا من الناس، وان نترك لهم أن يفكروا لأنفسهم، وهذه في الأساس أحد الهموم الإبداعية لدي الكاتب، لأن السرد ليس سردا روائيا، أو قصصيا فقط، بل يوجد سرد اجتماعي، وآخر سياسي، وثالث جنسي وهكذا، وهذه »السرودات« تقوم بها مؤسسات البث طيلة الوقت، وهي تتجلي في صياغات لغوية ثابتة تحوم مثل الطواقي أو »الطرابيش« الهائمة، والمواطن الصالح منها يجلس متصورا انه يفكر لنفسه، والحقيقة أنه يستعير نفس الصياغات الجاهزة، أي يجد دماغه دخل في »طاقية« أو »طربوش« قد أعد له سلفا، والمشكلة هي في منطق هذه الصياغات، لأنه منطق التفكير بدلا من الآخرين، مثل الأبناء والمفترض حينئذ أننا عندما نكتب نسعي لتمزيق هذه الطواقي، وهذه »الطرابيش« مجرد بحث عن جوار آخر للكلمة، داخل الجملة كفيل بفك جمودها، كأنكما تنتجان نافذة في جدار مصمت.
كيف تري شباب الثورة عن قرب؟
أراهم طليعة طبقة متوسطة مصرية ميسورة الحال، بعدما تآكلت الطبقة المتوسطة العريقة في مصر، ولا تنسيا ان بعض أهم ما نفاخر به من انجازات ورثناها في مجالات اقتصادية، واجتماعية أو علمية، قامت علي كواهل بعض من أبناء هذه الطبقة التي لا ينفع أن يخلو منها بلد من البلدان، هذا جيل رائع يتمتع بالحساسية والذكاء، والجرأة والحس الاجتماعي القوي، انهم أبناء حقيقون لأيامهم.
ما تحقق من مطالب الثورة حتي الآن، هل تراه كافيا قياسا علي المدة الزمنية.. وكيف تري مستقبل أيامنا؟
المستقبل بيد الله، ولكننا مفعمون بالأمل والمؤكد ان هناك مكاسب كبيرة قد تحققت مثلما حدث من انهيار حاجز الخوف، وقدرة الشعب علي معرفة أن تجمعه علي شئ واحد مسألة مهمة جدا، ولكن هناك مردودات حدثت مثل محاكمة الرئيس السابق وتغيير عدد كبير من المحافظين، كما نطمح إلي تغيير المجالس المحلية، لقد حصل تفكيك لهذه الشبكة العنكبوتية المعروفة بالحزب الوطني.
وأريد أن أشير إلي أن الأحداث الكبيرة في حياة الأمم لا نقول عنها كبيرة لمجرد انها كذلك ولكن بسبب تأثيرها في طبيعة الحياة الإنسانية، وطبيعة العلاقة الموجودة بين الناس، ومهمة الأدب والفن هي تناول هذه الأحداث، الكبيرة عبر معلقين ومحللين ودارسين، أمر مهم، لكن مهمة الأدب والفن هي البحث في النسيج الإنساني، والتعبير عنه، لأن كل مجتمع يوجد به في الأسفل »مياه جوفية« والذي يحدث علي السطح خطورته وأهميته ومدي تأثيره في هذه المياه الجوفية، وفي طبيعة علاقتي ما بيني وبين ابنائي والناس والله.
ويضيف »أصلان« موضحا: من الخارج عندما يقومون بدراسة أعمال مثل إبداعات: زولا، وبلزاك وديكنز، فهم يدرسون طبيعة النسيج الإنساني الذي جسدته هذه الأعمال، لأنه مجال القراءة الحقيقي ولأنه يتعلق باللحم والدم وبالبشر الحقيقيين، لذلك فإن مستويات القراءة هنا متعددة سواء علي مستوي التسلية وعالم النفس، وعالم الاجتماع فلكل مستواه في القراءة، اقصد أن ما حدث لدينا وهو لم ينته بعد، من خلاله يمكن تلمس بعض التفاصيل الصغيرة، فأنا أري الوجوه الآن خالية من الغضب، انسحب الاكتئاب، واظن انه تم خلق واقع اتمني ان يكون جيدا، فعلي سبيل المثال الفنون المختلفة من سينما ومسرح وغيرهما سوف يقل فيها المثال السيئ جدا، لأن الثورة اشعرتنا بأننا أذكياء محترمون وهذا يستوجب منا أن »نختشي« وسوف يزيد من حجم الحياء لدينا.. أي نشعر بمسئولية ما نقدمه لأن الأذكياء يفترضون الذكاء في الآخرين.
والعكس صحيح فمصيبة النظام السابق الذي كان يحكم هو أنه غبي يفتقد إلي الاحساس والذكاء، ومن هنا لم يقدر ذكاء هذا الشعب!! ولم ير فيه إلا الخنوع، وعندما يثور الشعب لكبريائه وإرادته يقابل بالرصاص والحمير والجمال، وقتل عدد ضخم من أنبل أبناء هذا الوطن، دفاعا عن قدرتهم علي الاستمرار في النهب أشعر بأن الاتقان- وهو مزاج حضاري- وقد أفتقدناه وأظن ان المزاج في طريقه إلي العودة إذا لم تكن بشائره بدأت بالفعل، وهذه رؤية متفائلة تليق، بما حدث مهما يحدث لنا الآن.
تقول: »آلامي لا اكتب عنها، بل اكتب بها« ماذا تقصد بهذا التعبير؟
ما قصدته هو أن الأوجاع الكبيرة غالبا لا يوجد ما يكافئها تماما في وسائل التعبير، لكن أي مواطن لديه تجربة تعود أهميتها إلي ما تحدثه في داخله، وهو عندما يكتب لا يكتب تجربته بقدر ما يكتب بها، أي ان معظم الكتاب والفنانين تتحول لديهم القيم الإنسانية من مجرد موضوع للتناول إلي أداة يتناول بها العالم، فيتحول العالم كله إلي نبرة صوت أو درجة لونية.
مزاج القصة
يقول أصلان: القصة القصيرة هي الإطار الذي من الممكن ان أودعه أحلامي، وما يستوقفني من شئون هذا العالم الذي أعيش فيه.. فأنا عندما أكتب روايته فأنا اكتبها بمزاج كاتب القصة ونسأله: هذا الكلام قد يستعصي علي الفهم فماذا تقصد به؟
أنا بطبيعة تكويني مشغول بالتفاصيل، وعندما نتحدث عن القصة القصيرة أو الرواية، فالقصة القصيرة ليست مجرد حدوتة صغيرة تكتب ولكنها إطار يكون موجودا داخل الكاتب، وهذا الإطار هو وسيلته في تلمس التفاصيل التي حوله، أي وسيلته في تكوين معرفة مثل الفلاح في أرضه، فعبر علاقته بالأرض والفأس والري والحصاد والحرث هذه تكون معرفته، وليست مثل العالم الجالس في المعمل مع قواريره فالإطار الأمثل بالنسبة لي هو القصة القصيرة.
وأين تجد نفسك أكثر في القصة القصيرة أم في الرواية؟
في الكتابة بشكل عام، ولكن الإطار المناسب بالنسبة لي هو القصة القصيرة، أي أن العمل »علي بعضه« يستجلي رؤية، خاصة انه لا توجد لديّ رسالة أريد أن أوصلها عبر ما أكتبه.. لأنني لا اخترع أفكارا لكن بمجمل ما هو متاح لي أسعي إلي فهم لا أبدأ به واستهدف توصيله إلي القارئ.
كان يقال عن نجيب محفوظ انه عندما كان يجلس لكتابة عمل تكون أمامه خريطة بأبطاله وملامحهم، وكل ما يتعلق بالمكان الذي يكتب عنه فهل أنت مختلف؟
نجيب محفوظ مثال كبير للمنحي الكلاسيكي أو التقليدي في الكتابة.. الكتاب من مقامه كانت لديهم رسائل، وكانوا يستهدفون بعملهم توصيل هذه الرسائل إلي الناس أنا أنتمي إلي جيل كانت الرسائل بالنسبة لهم مستهلكة ولم تعد لنا رغبة في توصيل رسالة تم توصيلها عشرات المرات، لكن بما هو متاح لك انت تسعي لرسالة أي أنك لا تبدأ بأساس فكري ولكن من إحساس تحاول منحه شكلاً لكي يكون له معني إذا هنا سعي لأفق أبعد، ممكن اوصل له للوهلة الأولي عبر عمل، وعندي ما يحمل إليّ الثقة بأن القارئ يصل إلي هذا العمل لأول مرة ايضا.
بدلاً من العالم!
يدفعنا هذا إلي سؤال: لماذا تكتب ولمن؟
زمان كنا نظن، أننا نكتب حتي نغير العالم، ظلت هذه الرغبة تتضاءل حتي أصبح الأمر يتعلق بالقاهرة الكبري فقط، ثم انحسرت تماما»!!«.
وأنا أكتب بحثا عن »الونسة« بيني وبين آخرين يجمعني بهم مشترك ما، كما أنني علي يقين من أن الواقع الذي يبدو رثا مشحونا بقيم إنسانية وجمالية وشعرية، لا ينقص الكاتب إلا أن يكون أهلا للتعبير عنها، أكتب لواحد يشبهني ويدهشني عندما أجده هناك، متعتي لاحدود لها عندما أتمكن من عمل شئ مما يهمله الناس، الكتابة في هذه السن صارت متعتي الوحيدة رغم المكابدة، وهي وسيلة مقاومة وذريعة حياة.
مفتاح أم لعنة؟!
عندما يذكر إبراهيم أصلان تطفو علي الفور رواية »مالك الحزين« وكأن كل تراثك تمحور حول هذه الرواية، ما تعليقك، وهل هذا ظلم لبقية أعمالك؟
هذا أمر وارد ولا يغضبني انظر مثلا يحيي حقي ورائعته »قنديل أم هاشم« رغم أنني لا أراها أفضل أعماله، مالك الحزين لقيت اهتماما نقديا كبيرا، كما لا تنسيا ان فيلم »الكيت كات« ساهم في ذيوعها، عموما هذا الأمر لا يزعجني.
يري البعض أن مالك الحزين هي مفتاح عالم أصلان فهل تتفق مع هذه المقولة؟ وما أقرب أعمالك إلي نفسك؟
قد تكون جذور هذا العالم موجودة فيها.
هي الأفضل
ما تعليقك علي اختيار مالك الحزين باعتبارها من أفضل مائة رواية في الأدب العربي؟
الحقيقة انني »انبسطت« ولكني لم أدهش، فأنا كاتب عندي ولع بمشكلات التعبير، وهذه »سمة« وليست ميزة، وأنا أجتهد لتقديم حلول لمشكلات السرد والبناء في هذه الرواية، بسبب التجربة التي أردت التعبير عنها، خاصة انها كانت عن مرحلة مفصلية في التاريخ الاجتماعي المصري، أعني بداية الانفتاح الاقتصادي حيث عايشت عملية الاستيلاء علي مبان قديمة في »الكيت كات«، وبناء عمارات ضخمة محلها شعرت ان العالم الذي تربيت فيه ينهار ويغرب، وأردت ان أستبقيه، كما ان المدي الزمني الذي جرت فيه الرواية هو 42 ساعة وهي عمر انتفاضة يناير 7791.
من الغريب أن رواية »مالك الحزين« خرجت إلي النور بمحض الصدفة، عندما علم نجيب محفوظ بظروف عمل أصلان في هيئة المواصلات كتب له توصية قال فيها: »أصلان« فنان نابه مؤلفاته تقطع بموهبة فريدة وفذة، ومستقبل فريد، ولمثله نشأ مشروع التفرغ، وعند أمثاله يثمر ويزدهر«.
نعم.. هذا صحيح، كانت الناقدة الراحلة الدكتورة لطيفة الزيات قد علمت بالأمر فكتبت لي هي الأخري تزكية، وكذلك الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور وعندما حصلت علي منحة التفرغ نشرت أخبار حول كتابتي لرواية، وعندما تساءلت تبين لي أن القصص القصيرة لا يوجد تفرغ من أجلها كما كنت أظن، ولم يكن ممكنا أن أرفض التفرغ طبعا، فكتبت »مالك الحزين«.
تحولت هذه الرواية إلي عمل سينمائي شهير باسم »الكيت كات« من سيناريو وإخراج داود عبدالسيد هل كانت لك ملاحظات علي الفيلم؟
في الحقيقة.. كانت لي ملاحظة أزعجتني في الرواية الشيخ حسني صديق ليوسف، لكن في الفيلم أصبح ابنه وهو ضالع في الشأن السياسي في الرواية، ومهموم بالبلد، لكن في الفيلم انحصر دوره في انه غاضب، وقد أزعجني ذلك في البداية، وقد تعلمين ان السيناريو لم ينفذ إلا بعد 5 سنوات بسبب مشكلات رقابية وغيرها، وتم استبعاد حادثة 81، 91 يناير، ولكن تظل العلاقة بين نص أدبي وفيلم لا تحسب بمشابهتهما لكن بعمق العلاقة بينهما وعموما اسعدني الفيلم كما اسعد كثيرين.
الهم السياسي
يري البعض أن رواياتك تخلو من الهم السياسي المباشر.. هل تعتبر هذا صحيحا وفي رأيك هل هو ميزة أم عيب؟
لا أريد القول بان السياسة موجودة، واعتقد ان ما اسهل تناول ما تكتب بشكل سياسي مباشر، لكني أري ان الأجدر بتناول المسائل النظرية عموما هم الباحثون والنقاد والمعلقون والمحللون، لأن هناك مساحة لا يعرفها إلا أنا وغيري وهي المياه الجوفية للمجتمع، وهذا ما يرضيني ويجعلني »أموت« نفسي فأنا لا استطيع أن اكتب بهذه الطريقة المباشرة، أنا أري أنني مؤهل للتعامل مع الحياة اليومية الرثة والذي ينعكس علي كل ما فيها.. فأنا لدي شغف بتفاصيل الحياة اليومية ومتعتي كلها هي أن أعمل شيئا مما يهمله الناس، وهذا يمثل بالنسبة إلي متعة قصوي.
في أحد حواراتك قلت إن الإخوان المسلمين لهم دور مؤسف في المجتمع المصري، فهل مازلت عند رأيك؟
لم أقل »مؤسف« ولكن قلت يدعو إلي »الخوف«، وعلي أية حال هم تعاملوا مع الثورة وأحداثها بدرجة عالية من الحنكة والذكاء، في البداية ترددوا حتي استبانت الأمور، ثم شاركوا وأصبحوا جزءا من المشهد العام واستطاعوا ان يزيلوا الكثير من مخاوف الناس، وأتمني ان يظل ذلك حقيقيا.
عندما نتحدث عمن تأثرت بهم من الكتاب العالميين في القصة القصيرة تجئ سيرة »تشيخوف« فهل شعرت ان تأثرك به أفادك؟
مجرد ذكر اسمي مقرونا - علي نحو أو آخر- بتشيخوف يملأني بالزهو، ولكني لم اتحدث عنه باعتباره واحدا من الكتاب الذين تأثرت بهم، ولكن باعتباره واحدا من الكتاب الذين تعلمت منهم، وأظن ان من أفضل مزايا الكاتب هي قدرته علي التعلم، وهناك أدباء في تاريخ الأدب العالمي طوروا أدوات التعبير، وهم معروفون، وما أضافوه إلي فن القصة القصيرة مثلا يحسب علي أي كاتب جاء بعدهم، ، أما التأثر فيعني استعارة رؤية كاتب آخر، وأنا عن نفسي لا ترضيني أية رؤية غير رؤيتي المتواضعة حتي لو كانت رؤية شكسبير نفسه وإلا ما كتبت أصلا.
أنا كاتب أريد ممن يقرؤني أن يراني ويسمعني ويشم، أي يكون في مواجهة مشهد حي وصاحيا وقادرا علي رؤيته كما يشاء، إذن أنا أسعي حين أكتب نقيضا لفعل القراءة إلي أن أرجع اللغة والكلمات إلي عناصرها الأولي، و»المغسولة« وأنشئ بها شيئا وأظن أنني نجحت بالدرجة التي ترضيني
ومن من الكُتاب عندهم هذا الميل البصري؟
أجده لدي بهاء طاهر، ومحمود البساطي، وصنع الله إبراهيم.
وفي نهاية حوارنا.. نسأله بماذا تحلم؟
أحلم بدنيا أجمل، وكتابة جيدة، أحلم بذلك بقوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.