[email protected] عندي ملاحظات علي صناعة القرار السياسي في مصر الآن..وهي ملاحظات مبنية علي أساس وشواهد..تشير الي فقدان الرؤية العامة للقرار..بعبارة أخري: كيف تجري صناعة (وصياغة) القرار السياسي في البلاد خلال تلك المرحلة .. سأضرب لك مثالا حيا من حركة المحافظين التي صدرت مؤخرا وسأنقل اليك ملاحظاتي (ان شئت الدقة مخاوفي) علي تلك الحركة: 1- تغيير المحافظين كان أحد المطالب الرئيسية للثورة ورغم ذلك فقد جرت الاستجابة لهذا المطلب بعد مرور 70 يوما علي تنحي الرئيس السابق..دون أن نعرف فيم كان الإبطاء والتأخير؟. 2- ربما كان الإبطاء في تغيير المحافظين مبررا لو أسفرت الحركة عن وجوه جديدة للمحافظين أو عن شخصيات محل توافق شعبي..لكن أتت الحركة الأخيرة كي تنفي ذلك. 3- كنا نعتقد أن طريقة اختيار القيادات التنفيذية سوف تتغير بعد الثورة الشعبية لكن فوجئنا باستمرار طريقة الاختيار التي عفا عليها الزمن..بعد أن جاء المحافظون الجدد من المؤسسة الأمنية والمؤسسات الجامعية وبدت أنها مكافأة نهاية الخدمة لهؤلاء..وكنا نظن أن توسيع قاعدة الاختيار سيكون توجها عاما أمام من يختار المحافظين لكن ذلك لم يحدث. 4- كنا نفترض أن عدم تولي قيادات أمنية لمنصب المحافظ لبعض الوقت هو قرار تمليه المصلحة العامة بعد ثورة يناير نتيجة عوامل كثيرة أغلبها معروف لكن غاب عن صانع القرار هذه الملاحظة البديهية..فتفجر الموقف في محافظات مثل قنا والدقهلية. 5- عندما جري تشكيل حكومة شرف أبدي كثيرون ملاحظاتهم حول ارتفاع معدل أعمار وزرائها (بين أعضائها من تجاوز الثمانين..مع الاحترام لشخصيهما) وهو ماتكرر في حركة المحافظين..وإذا كنا قد التمسنا الأعذار للدكتور شرف في اختيار أعضاء حكومته بسبب ضيق الوقت لكن عنصر الوقت كان متسعا جدا أمام رئيس الوزراء في حركة المحافظين الأخيرة..فلماذا وكيف لم تضم الحركة محافظين في الأربعينات والخمسينات من أعمارهم (ملاحظة: 65٪ من المصريين تقل أعمارهم عن 35 عاما).. بل ضمت الحركة الأخيرة أشخاصا تجاوزوا السبعين وقاربوا علي الثمانين.. وقد نتج عما سبق أن انتشرت طرفة مفادها أن حركة المحافظين الأخيرة أدارها مبارك من مستشفاه بشرم الشيخ حيث جاءت وفق الأساليب البالية التي اتبعها النظام السابق طيلة حكمه فلم نجد جديدا يعكس رؤية أو يقدم فكرا. سوف تقودنا الملاحظات الخمس السابقة الي أحداث محافظة قنا لأن ماجري هناك جاء كنتيجة طبيعية للملاحظات السابقة..قنا هنا هي النموذج القابل للتكرار (لم أقل الانفجار) في محافظات أخري حيث جرت تسمية محافظ جديد لقنا ذي خلفية أمنية (راجع الملاحظة الرابعة) كما أنه جري اختياره علي أساس ديني طائفي في محافظة لها خصوصيتها..بها ثلاث قبائل كبري هي العرب والأشراف والهوارة كما أن نسبة الأقباط الي عدد السكان لايتجاوز 4٪ (عدد السكان 3.5 مليون نسمة) ولاتعني تلك الملاحظة أن اهالي قنا كانوا سيرفضون ترشيح أي شخصية قبطية بل العكس صحيح..فلو جري ترشيح شخصيات مثل جورج اسحق أو الدكتور مجدي يعقوب علي سبيل المثال ..فالمؤكد أنها كانت ستلقي ترحيبا قناويا لأن تلك الشخصيات لم يكن ليجري تسميتها علي أساس طائفي مثلما هو الحال مع محافظ قنا الجديد اللواء عماد ميخائيل.. ورغم اتساع دائرة الرفض الشعبي للمحافظ الجديد واستمرار التظاهرات وقطع الطرق السريعة وتوقف حركة القطارات..فإن رد حكومة شرف كان غريبا وتمثل في الآتي: 1- بطء في اتخاذ القرار وغياب الرؤية في كيفية التعامل مع الأزمة..فهل يكون القرار الحكومي بالحزم والحسم بعد أن ركبت التيارات الدينية الموجة أم عبر الاستجابة للمطلب الشعبي بإقالة المحافظ. 2- صاحب بطء التعاطي مع الأزمة أن جري اتخاذ قرار خطأ وخطير عندما جري اسناد ملف التعامل مع الأزمة الي وزارة الداخلية أي اتباع سياسة الحل الأمني للأزمة. 3- حسنا أن تدخلت المبادرات الشعبية والشخصية لايجاد حل للأزمة مثل سفر بعض الشخصيات العامة الي قنا لكن أين كبار قيادات الحكومة وأين نائب رئيس الوزراء.. وهل عجز عن السفر لظروف السن والصحة..ولماذا لم يجر اختيار نائب لشرف في عمر الشباب..بل لماذا لم يسافر رئيس الوزراء نفسه للقاء المحتجين؟. 4-الأهم من هذا وذاك لماذا لم تتم الاستجابة الحكومية لمطالب القناويين فور اندلاع المظاهرات علي الأقل من باب قطع الطريق علي الجماعات المتخصصة في ركوب تلك الأحداث..هل كان سينتقص قدر الحكومة إذا استجابت وأقالت المحافظ الجديد..أليس الشعب هو مصدر السلطات..وعندما رفض هذا الشعب مبارك ورجاله أقالهم..فهل يجوز أن يقيل الشعب رئيس جمهوريته ويعجز عن اقالة محافظه؟. ثم لماذا سربت الحكومة خلال الأيام الماضية خبرا مفاده تقدم محافظ قنا باستقالته خلال ساعات لكن لم يحدث أن تقدم المحافظ باستقالته..ثم لماذا ننتظر أن يتقدم معاليه بالإستقالة.. ولماذا لم تقم الحكومة باقالته؟. قنا أزمة سقطت فيها حكومة شرف؟