توسيع المشاركة السياسية هي القضية الأولي في المرحلة القادمة. فقد احدثت ثورة 52 يناير زلزالا في الرأي العام المصري أدي الي خروج الغالبية الساحقة من المواطنين من دائرة السلبية المفروضة عليهم. والقول الشائع بأن المصريين عموما يتصفون بالسلبية ولا يميلون الي المشاركة.. ليس صحيحا. فقد كان قادة النظام السابق يتخوفون من توسيع المشاركة حتي لا يشعرون بأية ضغوط من جانب الرأي العام. فالمشاركة تعني ان يكون للناس الحق في المساهمة في صنع القرار السياسي، وان يكون لهم حق المساءلة ايضا. وكان الحكام السابقون يدركون استحالة استمرارهم في السلطة اذا اتسعت هذه المشاركة السياسية. والمشاركة السياسية عملية اجتماعية -سياسية طوعية تعبر عن سلوك منظم مشروع ومتواصل والتزام بحقوق المواطنة وواجباتها، وبالفهم الواعي لأبعاد العمل الشعبي. ومن خلال هذه العملية، يمارس المواطنون ادوارا وظيفية فعالة ومؤثرة في النشاط السياسي، سواء في اختيار الحكام والقيادات السياسية أو في تحديد الغايات العليا للمجتمع ووسائل تحقيقها أو المعاونة في ادارة آليات العمل السياسي ومتابعته ومراقبته وضبطه وتقويمه. ومعني ذلك ان المشاركة السياسية هي الصعب الحيوي للممارسة الديمقراطية، فهي التي تساهم في صنع السياسات العامة وتشكيل أجهزة الحكم، وصياغة واصدار القرارات، وتحديد الأولويات بالنسبة للأهداف الأساسية للمجتمع. فالمشاركة السياسية عملية تاريخية ذات أبعاد سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، والهدف منها هو التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر علي الحكام في صياغة القرار السياسي لمصلحة المجتمع بوجه عام. وتنضج المشاركة السياسية وتستقر عندما تتوافر في المجتمع المؤسسات التي يمكن ممارسة هذه المشاركة من خلالها، وبصفة خاصة التنظيمات السياسية والاجتماعية والمؤسسات والمجالس الشعبية والمحلية. وتبرز المشاركة اكثر فأكثر مع توافر الإطار المناسب لوجودها ونضجها.. سواء من خلال مؤسسات الحكم والادارة أو -بصورة غير رسمية- من خلال الاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني. الفرص متاحة الآن -بعد 52 يناير- لتوسيع المشاركة السياسية في مصر بعد انهاء سيطرة رئيس الجمهورية علي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. ذلك ان تعظيم نسبة المشاركة يتوقف علي الغاء القيود المفروضة علي تأسيس الاحزاب السياسية ونشاطها، والغاء القيود المفروضة علي الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ورفع الوصاية المفروضة علي النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية، لكي تتمتع بالاستقلالية بعيدا عن اجهزة الدولة، وتغيير النظام الانتخابي في مصر. وكلما كانت المنظمات السياسية والنقابية والجمعيات الثقافية والاجتماعية.. علي قدر كاف من الحيوية والفاعلية -ومتحررة من القيود القانونية التي تحول دون قدرتها علي التأثير كلما نشطت المشاركة السياسية. والتصويت في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية هو اكثر قنوات المشاركة السياسية فعالية، وكذلك الانضمام الي الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الثقافية. ويساعد علي ذلك متابعة القضايا السياسية والعامة والتعرف علي تطوراتها والاشتراك في المناقشات حول تلك القضايا عبر الندوات والمؤتمرات الجماهيرية. والعنصر الرئيسي في التشجيع علي المشاركة هو حرية الناخب في التصويت وسلامة العملية الانتخابية بحيث تعبر بدقة عن إرادة الناخبين. ففي السابق، كان المواطنون يحكمون علي الانتخابات من حيث جدواها بالنسبة لهم ومصداقيتها وشفافيتها. ولذلك كانت معدلات التصويت متدنية. وبسبب همينة الحزب الحاكم والدولة البوليسية علي كل مناحي الحياة.. كانت العضوية الفاعلة في الاحزاب السياسية محدودة للغاية، لأن المواطن كان يدرك اننا لسنا في نظام تعددي حقيقي. والآن يمكن ان يصبح التصويت اكثر قنوات المشاركة السياسية اهمية، حيث انه يمكن ان يغير النظام السياسي كله عن طريق تداول السلطة اذا كان لدينا النظام السياسي الديمقراطي الذي يفتح الطريق امام المواطنين للقيام بدورهم في الحياة السياسية. وهذا النظام يرتكز علي احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، خاصة حق اعتناق الرأي والتعبير عنه، والالتزام بمبادئ حقوق الانسان وبمبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين. ومن هنا، فاننا في حاجة الي ثقافة ديمقراطية تجري تنشئة المجتمع كله علي أساسها، لأن الثقافة السائدة في المجتمع تلعب دورا مؤثرا في المشاركة السياسية وتجعل علاقات القوي لصالح هذه المشاركة. وتوافر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، مثل حق العمل والتعليم والرعاية الصحية،.. يتصل مباشرة بقضية المشاركة، لأن هذه الحقوق هي الأساس الذي لا يمكن بدونه للمواطن ان يقوم بدور حقيقي في العمل العام. وكلما حقق المجتمع نموا اقتصاديا يكفي لاشباع الحاجات المتزايدة للمواطنين وفي توفير الحد الأدني من الدخل الذي يكفل لجميع المواطنين حياة معيشية لائقة.. كلما تهيأت الفرصة اكثر لاتساع نطاق المشاركة السياسية. والمؤكد أن إتاحة قدر اكبر من العدالة في توزيع الدخل القومي يؤثر تأثيرا ايجابيا في تشجيع المواطنين علي المشاركة في العمل العام، وتحمل نصيب من المسئولية تجاه حل مشكلات المجتمع. ولاشك ان استمرار حصول اغني عشرة في المائة من السكان علي اكثر من نصف الدخل القومي يؤثر سلبا علي امكانيات المشاركة السياسية. والملاحظ هذه الأيام هو اهتمام اعداد متزايدة من الشبان والشابات بمتابعة الشأن العام والتطورات السياسية وبرامج الاحزاب السياسية ورغبتهم الملحة في رفع مستوي الوعي لديهم، وفي تقبل الحوار والاقناع كوسيلة لحسم أي خلاف، والحرص علي التنوع في الرأي، واعتبار الاحتجاج الجماعي السلمي درجة اكثر قوة في ممارسة المشاركة السياسية. وكل ذلك من شأنه توسيع آفاق المشاركة وفتح الطريق الي الديمقراطية.