علي أرض مصر الكنانة وقف شيخ الإسلام وبابا السلام يعزفان عزفا منفردا علي أوتار القلوب حتي بلغا بكلماتهم البليغة عميقة المعني حدود السماء ، ليؤكدا علي أنه رغم كل الحروب والدمار والدماء والقتل الذي تعيشه البشرية ، لازال هناك رجال فوق هذه الأرض يحملون رسالات سامية ويبحثون عن ذلك السلام الضائع بين جثث الأبرياء. فبين أروقة الأزهر الشريف وقف الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف مستقبلا البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في مؤتمر السلام ليبحثا معا كيف أصبح السلام العالمي هو الفردوس المفقود؟ وجمعوا شمل العقلاء وأصحاب الضمائر وشاركوهم الدهشة والتعجب مما يحدث في العالم من موت ودمار. والذي أوجز أسبابه شيخ الأزهر في تجارة السلاح والقرارات الطائشة من الدول » الكبري». وأعطي شيخ الأزهر الضوء الأخضر لعودة انطلاق الأديان وخروجها من أروقة الكنائس والمساجد لنشر القيم الصحيحة بعيدا عن الفهم المغلوط للدين وحالات الخداع والتدين الكاذب الذي ينشر العنف والكراهية بعد تأويل وتفسير كلام الله وفقا لأهواء المخادعين. ونفي شيخ الأزهر تهمة الإرهاب عن الأديان السماوية الثلاثة التي تنبذ العنف وتحرم قتل الأنفس. وأطلق دعوته الإنسانية السامية من أجل نصرة المستضعفين والجائعين والخائفين والأسري والمعذبين في الأرض دون فرز أو تصنيف أو تمييز. منتصرا للقيم الإنسانية فقط علي دعوات الكراهية والعنف التي تغتال براءتنا كل يوم. بينما أراد بابا السلام أن يفند ذلك المشهد المعقد الذي أطلق عليه وصف » حربا عالمية علي أجزاء» وخاطب قيمنا الإنسانية أيضا التي تحتم علينا جميعا التبرؤ من أي أيديولوجية للشر تدعو لإلغاء الآخر وإبادة التنوع عن طريق التلاعب »باسم الله ». وكم كانت رسالته عظيمة وهو يقول أن الله عز وجل ليس في حاجة إلي حماية من البشرولكنه هو من يحمي كل البشر. وكم كان عظيما وهو يحدثنا عن مصر التي نسيناها ، مصر العراقة والتاريخ التي أنقذت يوما ما شعوب الأرض من المجاعة في زمن سيدنا يوسف. وحملنا مسئولية إنقاذ العالم اليوم من براثن الإرهاب والتطرف الذي لا يعرف دينا. البابا فرانسيس الذي دافع عن الدين الإسلامي مرارا من الفاتيكان كان بيننا بالأمس ليثني علي مصرنا التي اجتمعت فيها الأديان السماوية وتعايش فيها الجميع بكل ود وحب دون أن ينال أحد من وحدتنا الوطنية وتقديرنا واحترامنا لبعضنا البعض. وهذا هو الطبيعي والصفة الأصيلة في المصريين. ما دون ذلك ما هي إلا فتن دخيلة يبثها أعداء الله والوطن كي يشتتوا شملنا ويفرقوا جمعنا. لا أظن أن هناك مصريا لم يتابع زيارة البابا ولم يثن علي كلماته ولقاءاته وصلواته لأننا اعتدنا كمصريين أن نسمع كلمات البابا ونحضر قداس عيد القيامة ونهنيء إخوتنا المسيحيين في أعيادهم بينما يشاركوننا صوم شهر رمضان. تلك الروح التي لم تقو طيور الظلام أن تنزعها في الماضي ولن تستطيع في حاضرنا أو مستقبلنا، لأن الجينات المصرية أثبتت علي مدار قرون طويلة أنها أقوي من أي فيروسات طائفية. وإن كنا جميعا نؤمن بأننا في معية الله، فمن عساه أن يخيفنا؟ ومن يستطيع أن يرهبنا؟ فالنصر قريب وإرهابهم إلي زوال. فشكرا للبابا فرانسيس علي رحلته الروحية التي أضافت بهجة وسماحة فوق الوجوه العابسة ، وشكرا لشيخنا الجليل أحمد الطيب الذي رد بفصاحة وهيبة وعبارات قاطعة علي كيد الكارهين له وللأزهر الشريف. رسائل السماء أرسل لي صديق من القدس قبل أيام صورا لصخور من أسوار المسجد الأقصي وكتب ليقول أن الفتحة التي أراها في الصورة هي حلقة رباط براق الأنبياء التي اكتشفت بالصدفة. ولأن الموضوع فيه شيء من التشويق تحدثت علي الفور مع صاحب الاكتشاف رضوان عمرو رئيس قسم المخطوطات والتراث الإسلامي في المسجد الأقصي الذي اعتقلته قوات الإحتلال واتهمته بالتخطيط لعمل إرهابي قبل أن يفرجوا عنه بكفالة عندما كان يلتقط صورا في المنطقة. كما أصدوا قرارا بإبعاده عن المسجد الأقصي لمدة شهر. وقبل أن أستمع لقصة رضوان استشعرت هيبة غريبة وفرحة كبيرة بداخلي وأنا أكتب عن حدث غير عادي لمكان وقفت فيه دابة الأنبياء عليهم السلام والتي استقلها الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم ) في رحلة الإسراء والمعراج. هذا المكان الذي اعيد اكتشافه اليوم تزامنا مع الذكري 1440 للرحلة المباركة. ولم يكن التصرف الإسرائيلي مفاجئا لأحد فقد دأبوا علي سرقة التاريخ والآثار الإسلامية وتفننوا في طمس معالم المواقع العربية ومع ذلك لم يتمكنوا من رؤية هذا الجزء المرتفع رغم احتلالهم للمكان ومراقبته بالكاميرات. وأدركت أن هناك رسائل من السماء يرسلها الله باستمرار للمرابطين في المسجد الأقصي المتواجدين علي مدار اليوم دفاعا عنه أمام الهجمات البربرية الصهيونية كي يزدادوا اطمئنانا. مي وملح هل من طعام أو شراب يسد رمق متعطش للحرية؟ وهل لأسوار أن تضيق فضاء الكون في قلب أسير؟ في يوم وليلة أعاد الأسري الفلسطينيون ضبط إيقاع القضية الفلسطينية ووضعوها في مسارها الطبيعي فلم يأبهوا لانقسام يعصف بالأحرار خارجا واختاروا إكمال مسيرة المقاومة وانتزاع حقوقهم ب »المي والملح »..وانطلقت من جديد معركة الأمعاء الخاوية يقودها الزعيم البطل مروان البرغوثي الذي اختار يوم الأسير في السابع عشر من إبريل ليبدأ معركته الوطنية بابتسامته التي قتلت سجانه وعلامة النصر التي لا تفارق يديه المقيدتين. واليوم تزلزل تلك الوجوه الشاحبة والأجساد الهزيلة الكيان الإسرائيلي الذي قرر منع الملح من الأسري كي يتوقفوا عن الاضراب. فإسرائيل المغتصبة يغضبها أن يكشف أحدهم عن وجهها الحقيقي للعالم. واليوم يتعاطف الملايين حول العالم مع قضية أسري سلاحهم هو الملح والماء في وجه كل الأسلحة الفتاكة التي يعرفها العالم والتي لم يعرفها بعد. ومع ظهور حالات الإعياء الشديدة علي فرسان فلسطين تلف العالم دعوات التضامن ودشنت حملة تحدي الماء والملح علي مواقع التواصل الاجتماعي واستشاط السجان غضبا ، فالمروان لم تقهره 16 عاما في السجن بل زادته قوة وإصرارا وأملا في غد الحرية وعلمنا أن جيش الحرية يمكن أن ينطلق من أي مكان حتي لو كان هذا المكان هو خلف قضبان العدو. المزيفون ما الذي قد يفعله قارب نجاة صغير في سفينة غارقة؟ ومن يملك أطواق النجاة ويعطي لنفسه الحق في أن يمنح الحياة أو يسلبها من أحد؟ هو رجل لا يقوي علي وخزات الضمير ضعيف حد الانكفاء والبكاء سرا عندما لا ينقلب العالم لدمعة طفل جائع. هو صديقي منتظر الزيدي الذي دخل تاريخ النضال العربي عندما ألقي بحذائه في وجه جورج بوش. وعرفه كل العرب رمزا للمقاومة عندما حارب الاحتلال علي طريقته. دفع سنوات من عمره في سجون الظلم لأنه كان حرا وبعد خروجه من السجن ومن العراق بدا مهموما أكثر بما يحدث لها. قبل أيام أرسل لي عن قيامه بحملة لإغاثة النازحين من الموصل ولم تكد تمضي ساعات قليلة حتي أرسل كلماته المبكية عن منتظر المزيف الذي لم تكف كرتوناته لمساعدة كل الغارقين في البؤس العراقي. بينما استشعر الهزيمة في أعين الأطفال الذين كانوا يعتبرونه بطلا. وقلت في نفسي لست وحدك المزيف يا منتظر. فالزيف يحاصرني في كل مكان وفي كل وقت. منذ أن كتبت للمرة الأولي عن معاناة أهلنا في فلسطين ، وكنت أظن أنه يصعب أن تتكرر تلك المشاهد في بقعة أخري علي وجه الأرض فرأيت الأبشع منها في العراق والأكثر بشاعة في سوريا. فأين عسانا نهرب من هذا الشقاء ولعنة الموت التي تطاردنا في عيون الأبرياء؟ ولماذا نقتل أطفالنا وجعلنا اليمن تقف عند حافة المجاعة؟ ألم يكفنا النظر للأعين الغائرة والبطون الجائعة في الصومال وجنوب السودان؟ أم لعل الإبادة العرقية التي يتعرض لها مسلمو الروهنجيا لم توقظنا بعد من زيف هذه الحياة. واليوم والإرهاب يقتل لنا عزيزا كل يوم ، أي سلام نفسي قد ننشده وأي رسالة قد نؤديها وسط تلك الوجوه التي نتواري من نظراتها خجلا؟ كيم والنيزك لا أشغل نفسي كثيرا بسيناريوهات نهاية العالم التي تملأ الكتب والمنتديات وحتي مواقع المنجمين. ولكن كانت المرة الأولي التي يشغلني فيها سيناريو النهاية بعد تهديدات كيم جون أون رئيس كوريا الشمالية بأنه يريد أن يكتب سطور النهاية لهذا الكوكب الذي أعيته الحروب. فأدركت أننا دخلنا عصر حرب الكواكب الذي شاهدناه في أفلام الخيال العلمي. وأخذت أتساءل بينما سيضغط كيم علي زر تدمير كوكب الأرض بترسانته النووية ، سيكون مسافرا عبر مكوك فضائي لكوكب زحل الشقيق تاركا لترامب الكوكب بمن فيه.وقد قرأت بعناية تهديد رابطة تطلق علي نفسها اسم الشباب في كوريا الشمالية وكيف أنهم سيهاجمون أمريكا في حالة الهجوم علي بيونج يانج ب5 ملايين قنبلة ذرية. نعم لن تكفيهم قنبلة نووية واحدة بل سيدكون الأرض ب 5 ملايين قنبلة نوورية لن يمسهم أذاها حتي بعد تدمير الأرض. وقد اعتدت أن يكون هناك شيء من الكوميديا السوداء وسط أخبار الحروب والصراعات التي أغرقت العالم في مآسي إنسانية لا تنتهي ومع ذلك أجد أيضا في كثير منها قصصا عن الأمل والغد المشرق وتعلمت أن اليأس رحيل مبكر من هذه الحياة. وفي حالة كيم وترامب وجدت أن العالم من حقه أن يقلق لأن الوضع هذه المرة خطير ، ففي المرات السابقة التي حدثت فيها مناوشات بين كوريا الشماليةوأمريكا كان الجميع يعرف أن هناك خطا أحمر فاصلا لن يتخطاه الطرفان مهما كانت خطبهم النارية وحربهم الكلامية. ولكن هذه المرة جاء ذكر إسرائيل في الموضوع وهدد كيم بمعاقبة إسرائيل »بلارحمة»بعد تصريحات وزيرالدفاع الإسرائيلي أفيجدورليبرمان التي قال فيها أن كيم يونج أون يقوض الاستقرارالعالمي ووجدتها كوريا »إيذاء لكرامة القيادة العليا» لبيونج يانج. ليس هذا مربط الفرس ، ولكن كيم تجرأ للمرة الأولي وتحدث عن سخرية القدر التي جعلت إسرائيل صاحبة السلاح النووي الأوحد في الشرق الأوسط برعاية أمريكية، تتحدث عن الاستقرار العالمي من منطلق المثل الشعبي القائل »اللي بيته من زجاج...» وأضاف بيان الخارجية الكوري أن إسرائيل تشهر بكوريا وبخطرها النووي كحيلة للهروب من استنكارالعالم ولعنته لإسرائيل العدو الأول للسلام في الشرق الأوسط وصاحبة أطول تاريخ إحتلالي للأراضي العربية وأكبر مرتكب للجرائم ضد الإنسانية عرفه التاريخ. ببساطة وضعت كوريا يدها علي الجرح وتجاوزت المنطقة المحظورة بحديثها عن البرنامج النووي الإسرائيلي الذي لن يمر مرور الكرام. وإن كانت أمريكا بسياستها العرجاء تعطي لنفسها الحق ولطفلها المدلل إسرائيل بامتلاك أسلحة نووية فتاكة تمثل التهديد الحقيقي للبشرية، فلن ننتظر جميعنا طويلا قبل أن يدك هؤلاء المجانين الأرض وقبل أن يتحرك النيزك الذي ننتظره جميعا ليكتب كلمة النهاية علي هذا الكوكب البائس. الانتماء درويش أسعدني كثيرا أنا وزملائي حصول أستاذي محمد درويش علي جائزة الانتماء ضمن جوائز علي ومصطفي أمين الصحفية. ولعل الخبر له وقع خاص في نفسي لأنني دائمة الشكوي من عدم تقدير وتكريم كثير من أساتذتنا الكبار بما يستحقونه خاصة عندما يكونون في ندرة وقيمة الأستاذ درويش. ومن أكون أنا وسط آلاف وربما ملايين المحبين ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن لا تزدان سطوري وكلماتي بالحديث عن أستاذي الذي اختار مكان الجندي المجهول الذي يقف خلف كل ما يلمسه قراء الأخبار من إبداع. فمحبته للأخبار جعلته يمتهن أصعب المهام وهي مهمة اكتشاف الموهوبين بعد أن أوصاهم الاستاذ ياسر رزق رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير الأخبار بالشباب خيراً، وقد كنت واحدة من بين كثيرين من اكتشافات الأستاذ درويش الذي شاهد بخبرته بعضا من موهبة فيما كنت أكتب ، فطلب مني أن أكتب مقالا ، وعندما لم أفعل خوفا ورهبة من المسئولية ألح في طلبه ففعلت ثم اختار لي اسم مقالي الأسبوعي »صح صح» بعد أن رأي للمرة الثانية شيئا لم أره في نفسي وهو الكتابة الساخرة. ومنذ ذلك الحين يقلقني دائما الحكم الأسبوعي الذي سيصدر علي مقالي لأنه أول من يقرأه وأخشي في كل مرة أن أكتب شيئا لا يرقي لمستوي الأمانة التي حملني إياها. وكما ذكرت لست الإكتشاف الوحيد فكل يوم يقدم لنا الأستاذ درويش اكتشافا يبهرنا من داخل وخارج الأخبار، ونظل كبيرا وصغيرا نستمع لنصائحه التي تضفي علي مقالاتنا سحرا مثلما نستمتع ونتعلم من كتاباته. وإن كانت قيمة الجائزة من قيمة اسم العملاقين علي ومصطفي أمين فلا أتخيل اسما آخر يستحق الجائزة غير أستاذي ، لأن الانتماء درويش.
وختاما يقول جلال الدين الرومي: »إن الحكمة الإلهية حدت بنا أن نحب بعضنا بعضاً بدرجات يُمليها القضاء والقدر. وبسبب ذلك القرار المُتخذ مسبقاً، فإن كل من في العالم مقترن بمن يألفه».