نشاهدهم في كل مكان وفي كل محافظة.. يفترشون الأرصفة والطرقات بوجوههم السمراء من كثرة الغبار الذي تراكم علي وجوههم، وملابسهم البالية التي تكاد تكون امتدادا للحال الذي تبدو عليه وجوههم، وشعرهم أشعث قد تحول إلي جدائل من طول فترات عدم استحمامهم.. لحاهم طويلة.. يلتحفون ببطاطين بالية جاد بها عليهم أهل الخير، يعيشون وسط جبال القمامة التي يشعرون معها بالإطمئنان علي قوت يومهم، نراهم ونمر عليهم كأنهم غير موجودين، ودفعنا حب الاستطلاع وتأملنا فيهم وهم يتمتمون لأنفسهم بعبارات غير مفهومة منهمكين في كتابة طلاسم علي أوراق الكرتون، ولم يحاول كثيرون منا أن يتوقفوا ليعرفوا من هم ولا أسرار بيوت الثلج الباردة التي لفظتهم إلي الشارع، وربما كانت بيوتا ساخنة بالخلافات التي لسعتهم فهربوا منها إلي الرصيف فربما يكون أحن وأكرم عليهم.وفي الزقازيق بمحافظة الشرقية عاشت » شوق» لأكثر من 10 سنوات تجوب شوارعها وتستقل القطارات لتتجه إلي بلاد الله شرقا وغربا، تتفرس الوجوه في حذر وتبحث في تضاريسها برعب شديد عن زوج انتزع منها روحها قبل أن ينتزع أولادها، ولم يختلف »أيمن» عنها، فقد كان بطل قصة حب لم تكتمل ولم يكتب الله لها النهاية السعيدة كما كان يري في الأفلام السينمائية، فقد ارتبط بفتاة أحبها كما أحبته بقوة، ولما ضاعت منه ولم يوفق في الزواج منها، أصيب بصدمة ضربت عقله، فراح يضرب الأرض طولا وعرضا منذ 7 سنوات ويهيم بين أحياء القاهرة وكل محافظات المحروسة لعله ينساها، وتصل المأساة إلي ذروتها مع »عم عطية» مدرس اللغة الفرنسية الذي عمل بإيطاليا واستأمن أحد أقاربه علي »شقا العمر»، فما كان منه إلا أن سرقه، وفيما كان السارق وخائن الأمانة يتمتع بشقا عمر من ائتمنه، عاش عم عطية 20 عاما في الشوارع إلي جانب مناطق تجميع القمامة بجوار سكك حديد الزقازيق. وفي الوقت الذي مر ملايين علي هؤلاء المشردين واكتفوا ب »مصمصة الشفايف»، كان هناك شباب جامعي لم ينتظر تحرك المسئولين أو تدخل جهات حكومية فيها ما يكفيها، وقرروا إنشاء دار لإيوائهم بمدينة الزقازيق، وانتشروا في الشوارع يرصدونهم ويتحدثون معهم، ويقنعونهم بدخول الدار، ويتولون بأنفسهم تنظيفهم وحلق شعورهم ولحاهم وتعريفهم بأشكالهم القديمة، ويقوم فريق من الشباب بخدمة الرجال، فيما يقوم فريق من الفتيات بخدمة النساء، وكذلك توفير أوجه الرعاية الأخري لهم من أطباء نفسيين وعلاج، وكل ما يحتاجون إليه من ملابس وأغذية، كما يسعون إلي التوصل إلي ذويهم من خلال نشر صورهم في صفحات المفقودين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونجحوا بالفعل في لم شمل أيمن وغيره الكثير مع أسرته بعد غياب استمر 7 سنوات وفي حالة عدم تمكنهم من ذلك يتم إيداع الحالة في الدار والإقامة بها إقامة كاملة. وكما يقول لنا محمود درج الطالب بكلية الهندسة صاحب فكرة إنشاء دار إيواء المشردين بالزقازيق ورئيس مجلس إدارتها، فقد جاءته الفكرة انطلاقا من مسئوليته المجتمعية هو وزملاؤه تجاه الوطن تحت شعار »مصر بلا مشردين»، فقام بإنشاء الدار لإيواء المشردين وترخيصها، وتم توفير فريق طبي من الأطباء المتطوعين بهدف تقديم يد العون لكل مشرد ليس علي مستوي محافظة الشرقية فقط بل واستضافة أي حالة يتم إلابلاغ عنها علي مستوي محافظات الجمهورية، ويلفت إلي أن الفكرة لاقت استحسان وإعجاب أهالي الشرقية وشبابها، وتطوعوا معهم بمجهودهم وبما تيسر من أموالهم حتي بلغ عدد المتطوعين حتي الآن 300 شاب وفتاة، وتم إنشاء فرع آخر بالعاشر من رمضان، ولا يوجد لدي هؤلاء الشباب أي مطالب سوي رجاء وحيد من وزارة التضامن الاجتماعي بتقديم الدعم اللازم للدار طبقا للقانون وقيام المسئولين في محافظة الشرقية بتذليل العقبات التي تواجههم.