علي مدي 22 عاما كان يقام مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وكان يكلف الدولة مبالغ كبيرة تنفق علي استقبال وتسكين الوفود العربية والأجنبية التي تشارك في المهرجان كل عام .. وكثيرا ما كتبنا محذرين من استمرار هذا المهرجان وكنا نتوقع بين الحين والآخر بإلغاء المهرجان في حال خروج فاروق حسني من الوزارة لأي سبب .. لكن لماذا وهل كان المهرجان بالفعل مفيدا للمسرح المصري وهل تستحق إطلالة علي المسرح العالمي كل هذه الأموال التي كانت تنفق سنويا بدون حساب خاصة وأن رئيس اللجنة العليا للمهرجان كان دائما هو فاروق عبد السلام المشرف علي مكتب وزير الثقافة والذي لم يتغير منذ بدأ المهرجان وحتي العام الماضي . أسئلة كثيرة لابد أن تستوقفنا ونحن نستحضر فعاليات المهرجان .. بداية كنت دائما مع ضرورة إعادة النظر في هذا المهرجان لما تتكبده مصر كل عام من أموال لم يستفد منها المسرح بشكل كبير.. كتبت كثيرا كلما انتهي المهرجان وخرجنا منه ب (صفر) كبير مثل صفر كرة القدم الذي كلفنا الملايين ولم نحقق فيها شيئا .. تماما كان المهرجان التجريبي كنا نخرج في معظم السنوات بدون جوائز و" يتفلسف" المنظرون وينتقدون كل من يواجههم أو ينتقد المهرجان .. كانت أغلب الجوائز لدول عربية مثل سوريا وتونس والعراق وهم بدأوا بعدنا في المسرح حتي فلسطين كانت تتنافس وتحصل علي جوائز ويخرج مسرحنا المصري خالي الوفاض يجر أذيال الخيبة فلماذا كان الإصرار علي استمرار المهرجان في وقت كنا فيه أحوج إلي أموال ننفقها علي الإنتاج المسرحي أو ارسال البعثات إلي الخارج لدراسة المسرح كما فعلنا في أواخر الستينات وأوائل السبعينيات وظهر مخرجون كبار مثل سعد أردش وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي وأحمد زكي وأحمد عبد الحليم ونبيل الألفي وظهرت تجارب رائعة مثل مسرح الجيب ساهمت بدون شك في نهضة مسرح الستينيات ومؤلفين عظام مثل نعمان عاشور وميخائيل رومان ومحمود دياب .. كانت البعثات الفنية للخارج أفضل مليون مرة من إنفاق أموال الشعب في مهرجان عائده أقل كثيرا من فوائده ! باختصار .. جاء قرار وزير الثقافة د. عماد أبو غازي بتأجيل المهرجان هذا العام جيدا لأن الوزارة لا تملك الملايين للإنفاق عليه وثانيا لأن صندوق التنمية الثقافية الذي ينفق عليه كان يحصل علي نسبة من أموال الآثار وهذا لم يعد متاحا بعد الانفصال بين الثقافة والآثار .. التأجيل هو خطوة علي طريق الإلغاء فليس بالمهرجانات وحدها تبقي وزارة الثقافة ولكن بإعادة بناء البنية التحتية للمسرح والاهتمام بالإنتاج وتقنية خشبات المسارح فما نزال نستخدم وسائل بدائية حتي الآن في مسارحنا. أرجو من د. أبو غازي أن يعير ملف المسرح المزيد من الاهتمام وألا يتجاهل كبار المسرحيين وألا يخضع لضغوط البعض وأن يستشير أصحاب الرأي المستنير فليس كل من عمل مع الوزير السابق هو شخص غير مرغوب فيه.